في ظل استمرار الصراع باليمن، تستمرّ منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” في إمداد اليمن بملايين جرعات اللقاحات لتطعيم الأطفال للوقاية مِن الإصابة بالأمراض الخطيرة والفتاكة، بدعم من شركائها الدوليين، مؤكدةً على فعالية اللقاحات وأمانها وسلامة تخزينها.
غير أن الشائعات تقوض جهود السلطات الصحية اليمنية والمنظمات الصحية المتعلقة بالقاحات الأطفال الآمنة والفاعلة التي تؤمن لهم الحماية من الأمراض الفتاكة، إذ تقول إحدى الشائعات إن اللقاحات تدخل إلى اليمن مجانًا لأنها مضرة، بينما هناك كثير من الأمراض المزمنة لم تدخل علاجاتها مثل علاجات مرض السرطان.
سلسلة تبريد آمنة
تخزين اللقاحات وحفظها يُعدّ من أبرز المواضيع التي تشغلُ بال اليمنيين وتجعلهم يشكّكون في طرق حماية اللقاحات، وتبعث لديهم هواجس من احتمالية انتهاء صلاحيتها أو سوء تخزينها، لكن السلطات الصحية تؤكد بأنها تعمل على حفظ وتخزين اللقاحات على وفق المعايير الدولية.
ويذكر مدير إدارة التحصين في محافظة تعز، الدكتور فهد النمر في حديثه خلال ندوة صحية على الإنترنت نظمها “صوت المهمشين” بتاريخ 20 مارس أن اللقاحات تنقل وتحفظ بطريقة آمنة، ولديهم سلسلة تبريد ملتزمة بالمعايير الدولية تبدأ من استلام اللقاحات حتى وصولها وبقائها في الثلاجات والمخازن.
ويضيف الدكتور النمر أنهم يعملون على الاحتفاظ باللقاحات بشكل آمن ويتابعون بدقّة درجة الحرارة بأجهزة مخصصة لمراقبة الحرارة، وتضبط على المخازن لاكتشاف درجات الحرارة التي لا يسمح بتجاوزها النطاق المحدد.
ويشير النمر إلى أنهم في تعز لديهم 282 ثلاجة تعمل بالطاقة الشمسية، يحفظون فيها اللقاحات على وفق معايير دولية، ولديهم كذلك ثلاجة مركزية لحفظ اللقاحات تعمل على مدار الساعة، ويضعون عليها عاملين صحيين لمراقبتها ومتابعتها بشكل خاص ومستمر.
العاملة الصحية هنيّة محمد ساطح أيضا مشرفة التطعيم في مديرية الصافية بالعاصمة صنعاء تقول عن تجربتها عبر موقع اليونيسف الإلكتروني إنه بعد وصول اللقاحات من المستودع تُخزّن في ثلاجات تعمل بالكهرباء أو بالطاقة الشمسية التي توفّرت لبعض المرافق الصحية، مما ساعد على التغلب على مشاكل انقطاع التيار الكهربائي.
وبحسب هنية، يساعد توفير ثلاجات تعمل بالطاقة الشمسية في الحفاظ على فاعلية اللقاحات حتى في حالة انقطاع التيار الكهربائي عن جميع المرافق، مشيرةً إلى عدم وجود أي مشاكل في عملية تخزين وتبريد اللقاحات، وإلى أنها تصل للمواطنين عبر صناديق التبريد بشكل آمن للغاية.
أدوية مرضى السرطان
الشائعة تلك قارنت بين دخول لقاحات الأطفال ومرضى السرطان، وذكرت أن اللقاحات تدخل لليمن مجانًا غير أن أدوية مرضى السرطان ليست كذلك، لكن من المعروف أن “اليونيسف” منظمة خاصة بالطفولة وتعمل على إمداد اليمن والدول النامية باللقاحات فقط، ولا يشمل ذلك توفير علاجات مرض السرطان وغيره، فيما تأتي أدوية السرطان بواسطة الشركات الدوائية التجارية التي توفرها في الأسواق المحلية بالبلاد، وقد أعاق الصراع الدائر وحالة الانقسام الحاصلة على مستوى المحافظات وصول كثير من الأدوية، ومنها أدوية مرضى السرطان التي تتوفر بين الحين والآخر، بحسب نائب مدير مركز الأمل لعلاج الأورام في مدينة تعز مأمون العامري.
ويذكر العامري أن مركز الأورام، ويُعدّ ثاني أكبر مركز لعلاج السرطان في الجمهورية، يقدم جميع خدماته بشكل مجاني للمرضى، وخدماته الطبية تشخيصية أو متابعة أو علاجية مستمرة ودائمة، لكنهم يواجهون صعوبة في توفير الأدوية والعلاجات، خصوصًا الكيميائية.
ويضيف في تصريح لصوت المهشمين أن هناك صعوبة كبيرة في توفير الأدوية، خصوصًا الأدوية الكيميائية، وذلك بسبب تزايد عدد الحالات التي تصل إلى 200 حالة مصابة بالسرطان في اليوم، وهو ما تسبب في ضغط كبير على المركز.
ويشير العامري إلى أن علاجات مرضى السرطان مُكلفة وباهظة للغاية، خصوصًا الكيميائية منها، وفي غالب الأحيان تنعدم من الأسواق لفترات طويلة أو تتأخر في وصولها مع ظروف الحرب ومع تذبذب أسعار العملة المحلية واضطرابها أيضًا.
ويشكو مرضى السرطان من ارتفاع أسعار الأدوية التي تصل قيمة الجرعة الواحدة منها إلى مليون ريال يمني، وتراودهم مخاوف مِن توقف المركز الوحيد لعلاج الأورام الذي يعمل على توفير تلك الأدوية بشكل مجاني للمرضى المقيدين في سجلات المركز.
أدوية منتهية
في السياق نفسه، تنتشر الأدوية المنتهية في السوق الدوائية اليمنية بشكل كبير في ظل غياب رقابة السلطات الصحية مع الانقسام الحاصل نتيجة الحرب، وغالبًا ما تكون تلك الأدوية مهربة وتدخل البلاد بشكل غير قانوني أو رسمي، خصوصًا الأدوية التي تعالج الأمراض المزمنة.
وفي منتصف أكتوبر من العام الماضي 2022، أعلنت وزارة صحة صنعاء الخاضعة لجماعة الحوثيين عن وفاة 10 أطفال من مرضى سرطان الدم بسبب تلقيهم حقنة دواء “ميتوتريكسات” فاسدة ومنتهية، فيما عانى 9 أطفال ممن تلقوا الجرعة من مضاعفات صحية.
وفي نهاية ديسمبر من العام نفسه، حذرت منظمة الصحة العالمية في بيان لها من وجود دفعة دواء ملوثة من “الميتوتريكسات”، وهي نفس تلك الحقنة التي تلقاها أطفال سرطان الدم الذين توفوا، مشيرةً إلى أن الجرعة منتشرة في اليمن ولبنان.
غياب الأجهزة
لم يقتصر وضع مرضى السرطان في اليمن على الأدوية المزيفة التي أودت بحياة الأطفال بالسرطان، بل يعاني هذا القطاع من مشاكل تتمثل بعدم توفر أجهزة طبية مثل أجهزة تشخيص طبقي محوري وأجهزة الكشف المبكر عن سرطان الثدي، الأمر الذي أجبر إدارة مركز الأورام إلى التعاقد مع جهات طبية خارجية يرسلون إليها المرضى باستمرار لإجراء الفحوصات والكشف عن حالتهم المرضية، وفق حديث العامري.
ويشير العامري إلى أن وجود تلك الأجهزة سيوفّر كثيرا من التكاليف على المركز، وسيمكّنه من تقديم خدماته مجانًا لمرضى السرطان، كما سيوفر الجهد على المرضى وإيقاف معاناتهم جراء التنقل بين المستشفيات والمراكز الصحية التي تمتلك تلك الأجهزة لإجراء الفحوصات.
وبلغ عدد المرضى الذين يتلقّون الرعاية الصحية في مركز الأمل لعلاج الأورام حاليًا نحو 4 ألف مريض بالسرطان، بعد أن سجّل 1034 حالة إصابة جديدة في عام 2022 فقط، ويتردّد بشكل يومي من ذلك العدد نحو 200 مريض.
ومنذ افتتاحه قبل عشرة أعوام حتى الآن، بلغت حالة عدد الحالات المقيدة في سجلات المركز نحو 10 آلاف حالة مرضية بالأورام، تردّدت عليه خلال ذلك الوقت نحو 72 ألفا و521 حالة، يأتي مرضاها من عدة محافظات مجاورة لتعز أبرزها إب ولحج والضالع.
الصورة لمرضى كثيرون ينتظرون أدويتهم (الأناضول)