الملاريا تستوطن مدينة تعز

ما تزال الملاريا تهدّد حياة سكان مدينة تعز المحاصرة منذ ثماني سنوات، وتستقبل مستشفيات المدينة كثيرا من المصابين بالمرض في ظلّ عدم اكتراث طرفي الصراع لسوء الأحوال الصحية والبيئة الحاصلة.

ذلك الحصار المفروض على المدينة أسهم في استيطان الملاريا على الرغم من وجود المرض قبل الحرب، لكن في السنوات الأخيرة إلى الوقت الحالي، ارتفعت حالات الإصابة والوفيات بشكل كبير وأصبح الوباء أحد ساكني المدينة.

كان للحصار تبعات ونتائج وخيمة وأزمات مختلفة أسهمت في انتشار “البعوض”، الناقل الرئيس لعدوى الملاريا والخطر المحدق بسكان المدينة واليمنيين عامة، وفي هذا التقرير نسلط الضوء على أحد أبرز العوامل التي جلعت “البعوض” يستوطن المدينة المحاصرة.

أزمات بيئية وصحية

عند النظر إلى جذر المشكلة المسببة لانتشار مرض الملاريا في مدينة تعز، يقع الحديث عن أزمة المياه التي تعيشها المدينة وعلى إثرها اضطر السكان إلى تخزين مياه الأمطار في أوعية وخزانات مكشوفة يستخدمونها طوال السنة.

تلك الطرق العشوائية لتخزين المياه، شكلت بؤرا لعيش البعوض الناقل لعدوى الملاريا من شخص مصاب إلى آخر سليم، وعلى هذا المنوال يستمر المرض في التفشي والانتشار، كما يرى منسق برنامج الملاريا والحميات بمكتب الصحة في المحافظة، سيف الحياني.

ويقول الحياني إن انتشار الملاريا في تعز سببه الرئيسي الحصار الذي تفرضه جماعة أنصار الله (الحوثيين)، فقد سبّب شحةً وأزمةً في المياه، ولجوء السكان إلى التخزين السيء للمياه في موسم الأمطار، مشيرًا إلى أن هذا الوضع شكل قنوات لعيش البعوض ونقله لعدوى المرض وبقية الأمراض والأوبئة معًا.

ويضيف في حديثه لصوت المهمشين أن معظم الآبار الرئيسية التي تغذي سكان مدينة تعز تقع في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون شرق المدينة، وبالتالي أدّى ذلك إلى ارتفاع أسعار المياه التي تحصل عليها المدينة من بقية الأماكن الآمنة، وهي قليلة ولا تكفي.

ويشير الحياني إلى أن المواطنين يعدّون موسم تساقط الأمطار فرصة ثمينة يغتنمونها في تجميع المياه وتخزينها بأوعية وخزانات غالبًا تكون مكشوفة، وبذلك حصلوا على المياه وجلبوا معها الملاريا والأمراض.

يبلغ إجمالي الآبار التي كانت تعتمد عليها مدينة تعز قبل الحرب في الحصول على المياه نحو 64 بئرا، بحسب مؤسسة المياه، لكن تبقى منها الآن 22 فقط، و42 تقع تحت مناطق سيطرة الحوثيين على الجانب الآخر من المدينة المحاصرة.

تلك الآبار لا تكفي المدينة ذات الكثافة السكانية الأكبر في اليمن، ووفق المؤسسة كانت إنتاجية المياه اليومية تصل إلى 17 ألف متر مكعب، لكنها الآن لا تتجاوز 2500 متر، وهذا شكل أزمة وجعل السكان يتجهون إلى مياه الأمطار وتخزينها بطرق غير سليمة.

مرض مستوطن

يقول طبيب الباطنية والأمراض المعدية بمستشفى الثورة العام بتعز، جمال عبد القادر: “إن مرض الملاريا مستوطن في المدينة وما يزال موجودا حتى الآن، لكن انتشاره يزداد في موسم الأمطار مع اجتياح البعوض للأحياء والمناطق السكنية”.

ويضيف لصوت المهمشين: “نستقبل في غالب الأيام حالات كثيرة مصابة بالملاريا، على الرغم من أننا في فصل لا تتساقط فيه الأمطار، لكن ما يزال البعوض منتشرًا، ويعود ذلك إلى أسباب التلوث في أوعية الماء المكشوفة وغير ذلك”.

ويوضح عبد القادر أن الملاريا مرض يُسببه طفيلي ينتقل إلى الشخص بلدغة البعوض الحامل لعدوى الإصابة من شخص مصاب، مشيرًا إلى هناك بعض أنواع الطفيليات تظل خاملة في الجسم لمدة قد تصل إلى عام.

ويتابع: “تلك الطفيليات المسبّبة للملاريا تنشط كل فترة في جسم المصاب إذا لم يعمل على علاج المرض بشكل جذري والتخلص منه تمامًا، لكن المرضى غالبًا ما يستخدمون الأدوية الخفيفة والمسكنات لتخفف عنهم المضاعفات التي تسببها الملاريا، ولا يتعالجون منها بشكل نهائي”.

ووفقًا لحديث الطبيب، قد يقاوم طفيلي الملاريا الأدوية المعتادة لعلاج المصاب بالملاريا مثل “الكلوروكين”، ثم ينشط مجددًا، لذلك يفضل أن يصف الأطباء أدوية مركّبة تحتوي على دواءين يتفاعلان معا للقضاء على الطفيلي مثل “أرتيميثر – لوميفانترين وأرتيسونات – مفلوكوين”.

وبحسب طبيب الباطنية، يشعر الشخص المصاب بمرض الملاريا بالإعياء الشديد مع ارتفاع في درجة حرارة الجسم وقشعريرة مصحوبة برجفة، وآلام في المفاصل وصداع ومضاعفات صحية يتعالج منها المريض إن حصل على رعاية صحية مناسبة.

ثلثا اليمنيين في خطر

يظل مرض الملاريا ينتشر طوال العام وينشط بشكل أكبر في موسم سقوط الأمطار الذي يوقظ حشرة البعوض التي تحط أجنحتها على معظم المدن اليمنية ومدينة تعز التي تتخذها موسمًا دائمًا طول السنة، وتحصد معها آلاف اليمنيين.

وبحسب بيان لمنظمة الصحة العالمية نشرته في 10 من أبريل الماضي، يعيش نحو 20.4 مليون يمني (نسبة 65٪ من السكان) في مناطق معرضة لخطر انتقال الملاريا التي تهدد حياتهم.

وذكرت المنظمة أن ما يصل إلى مليون حالة جديدة من حالات الملاريا تعصف باليمن في كل عام، مشيرةً إلى أن نصف المرافق الصحية في اليمن التي تعمل بشكل كامل أو جزئي، ما زالت تفتقر إلى الموظفين الصحيين المؤهلين مدفوعي الأجر، إضافة إلى أزمة في الأدوية الأساسية والمعدات الطبية.

وتؤكد الصحة العالمية في بيانها على أهمية تعزيز آليات مكافحة الملاريا وتوسيع نطاقها والجهود المتكاملة لإدارة ناقلات الأمراض في المجتمعات المحلية في جميع أنحاء البلاد.

ووفق إحصائية خاصة اطلع عليها صوت المهمشين، سجّلت السلطات الصحية في مناطق الحكومة المعترف بها دوليًا في العام الفائت 2022، إصابة نحو 16 ألف و512 حالة، و9 حالات وفاة.

أما في مناطق سيطرة جماعة الحوثيين شمال اليمن، فقد نشرت وزارة الصحة التابعة لحكومة صنعاء بيانا حول الأمراض الوبائية والمعدية نهاية ديسمبر الماضي، تحدثت فيه عن إصابة مليون و136 ألف و360 حالة إصابة بالملاريا في العام الفائت أيضًا، توفى منها 19 حالة.

تدخل خجول

طوال سنوات الحرب، لم ينجح النظام الصحي في استعادة نشاطه في مناطق سيطرة طرفي الصراع في البلاد، بعد أن ألحقت الحرب بمنظومته أضرارا جسيمة، وما زال ذلك التأثير قائما مع استمرار الحرب من جهة وعجز السلطات الصحية عن مواجهة الأمراض من جهة أخرى.

وفي هذا الخصوص، يؤكّد الحياني أن الوضع البيئي والصحي في مدينة تعز سيّء للغاية وكارثي، وهناك عجز في مواجهة الأمراض والأوبئة، خصوصًا مع عدم اكتراث السلطات الصحية العليا للأحوال الصحية.

ويذكر الحياني أن البعوض انتشر بشكل كبير في الأشهر الماضية بعموم مديريات ومناطق المدينة، ومعه أُصيب كثير من السكان في الأمراض الوبائية المنقولة عبر تلك الحشرة كالضنك والملاريا، وعلى الرغم من ذلك كان هناك “تدخل خجول” لمكتب الصحة ولم يتمكن من مواجهة الأمراض.

ويعزو الحياني سبب عجز السلطات الصحية إلى عدم تلقيها الدعم والإمكانيات اللازمة للتدخل العاجل والمتكامل سواء من الحكومة ووزارة الصحة أم منظمة الصحة العالمية والمنظمات الإنسانية، لافتًا إلى أن الملاريا تستمر في الاستيطان من عامٍ لآخر.

أما في العامين 2021و2022، قالت وزارة الصحة بعدن إن جائحة كورونا أثرت في الجهود التي تقوم بها لمكافحة الملاريا من جهة تأخير وصول الأدوية ومستلزمات المكافحة، إضافةً إلى التوقف القسري لأنشطة البرنامج لفترات طويلة في 2020، والإجراءات الاحترازية التي اتخذتها السلطات الصحية حينها حدّت من وصول المرضى إلى المرافق الصحية.

( أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة “lnternews” ضمن مشروع “Rooted in trust” في اليمن)

المقالة التالية
طلاب “مهمّشون” في الجامعات اليمنية
المقالة السابقة
عُمّال الصرف الصحي بين المخاطر ولقمة العيش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed

مقالات مشابهة :

الأكثر قراءه

━━━━━━━━━

كتابات

━━━━━━━━━