في كل صباح، تستيقظ أم جمعة البالغة من العمر 45 عاماً لتجهيز أغراضها وجعبتها (كيس من القماش داخله ملابس وأغراض أخرى)، تقطع المسافات الطويلة مشياً على أقدامها تطرق أبواب المنازل باحثة عن رزقها.
أم جمعة التي تنتمي إلى فئة المهمشين في اليمن، تقوم ببيع الملابس وأدوات التجميل النسائية والحِناء والبخور لكثير من النساء إلى داخل المنازل، تصف أم جمعة مهنتها بقولها: “مهنة متعبة وشاقة للغاية”.
ولدت وعاشت أم جمعة في محافظة الحديدة في منطقة ريفية، حيث كانت لا تعرف سوى الرعي وجلب الماء والحطب، ولكن بعد أن اشتدّ الصراع المسلح في منطقتها اضطرت للنزوح الى صنعاء.
ضاعف الصراع في اليمن معاناة النساء المُهمشات بشكل خاص، بسبب فقدان بعض الأسر مُعيلها، نتيجة مقتله، أو إعاقته، أو فقدان مصدر رزقه، وتوقف راتبه، مما أدّى إلى زيادة الأعباء الاقتصادية، وفرض مسؤولية كبيرة على عاتق النساء، حيث اتجهن للبحث عن مصدر دخل.
تقول أم جمعة لصوت المُهمشين: “توفي زوجي وترك لي ست بنات، أكبرهن عمرها 15 سنة وأصغرهن عمرها 8 سنوات، وأنا الوحيدة التي أصرف عليهن، وصلتُ صنعاء في عام 2018 ولا أعرف أحدا، بعتُ خاتمي الذهب بأربعين ألف، واستأجرت دكانا لي أنا وبناتي”، وتتابع: “كانت تمرّ علينا أيام ما فيش معانا أكل ولا ماء، ولا فلس واحد”.
تُعدّ أم جمعة واحدة من آلاف من النساء اللاتي يُعانين من التمييز والنظرة الدونية بسبب لون بشرتها السوداء، ولكنها استطاعت أن تتغلّب على كل الصعوبات التي واجهتها في بداية مشوارها الجديد، تقول أم جمعة: “في البداية عملتُ في تنظيف أحد المنازل التي أمام الدكان الذي نسكن فيه، وبعدها كلمت صاحبة المنزل معارفها وصرتُ اشتغل في عدة بيوت أقوم بتنظيف البيوت وإخراج القمامة”.
استطاعت أم جمعة بأسلوبها وطيبتها وأمانتها كسب حب النساء داخل المنازل التي عملت فيها، وأصبحت تقوم بمهام أخرى بجانب التنظيف، مثل شراء بعض الحاجيات الخاصة للنساء من أدوات تجميل وغيرها، “كنتُ أشتري لهن ملابس وأدوات تجميل وعطورات بسعر أقل من الذي يشتريهن بأنفسهن، وكنتُ أحصل على أرباح جيدة”. تقول أم جمعة.
“تغيرت أحوالي”
تحكي أم جمعة لصوت المهمشين كيف تغيّرت أحوالها بعد أن تلقت نصيحة من إحدى النساء بشراء هذه الحاجيات وبيعها للنساء بدلا من الحصول على أجر زهيد مقابل الخدمة التي تقدمها لهن.
تقول أم جمعة: “أعجبتني الفكرة، وبدأت فعلاً بشراء بعض الأشياء وبيعها للنساء”، وتضيف: “في البداية كان الأمر صعبا جداً، كان كثير يرفضون الشراء مني وأحياناً يرفضون حتى فتح باب المنزل”.
وقفت أم جمعة في وجه كل التحديات التي واجهتها، واستمرت بالعمل كل يوم من دون توقف أو ملل رغم حرارة الشمس والمشي لمسافات طويلة طوال اليوم، إذ تخرج في الصباح الباكر من دكانها ولا تعود إلا المساء.
وتضيف: “أصبحتُ معروفة في كثير من المنازل وازدادت الطلبات، وكل يوم كنتُ أبيع أكثر من اليوم السابق، كسبتُ مبالغ جيدة، وتركتُ العمل في التنظيف وتعرفت على كثير من التجار الذين كانوا يبيعون لي بالآجل”.
لم تمرّ سوى أشهر حتى انتقلت أم جمعة إلى شقة مكونة من غرفتين ومطبخ وحمام استأجرتها بمبلغ 45 ألف ريال شهريا، وسجّلت بناتها في المدرسة حيث كانت ثلاث من بناتها متوقفات عن الدراسة بسبب الوضع المعيشي الصعب التي كانت تعيش فيه الأسرة.
تقول أم يونس وهي زبونة تشتري من أم جمعة بعض حاجياتها: “سبحان الله كانت حالتها حالة هي وبناتها واليوم كلنا مديونين لها. أغلب النساء في الحارة عندهن فلوس لأم جمعة”.
يقول الأستاذ خالد السماوي وهو معيد في كلية التجارة والاقتصاد في جامعة المعرفة: “إن المرأة اليمنية مكافحة ومبتكرة في الوقت نفسه، ولكنها تعاني من عدم توفر داعم لمشروعها الذي تفكر فيه”، ويضيف السماوي: “من ضمن التحديات التي تواجهها النساء في اليمن عدم حصولها على فرص التأهيل والتدريب لتكون مؤهلة لفتح مشروع معين رغم رغبتها بذلك”.
لم تكن الحياة رحيمة بأم جمعة، فظروف العمل القاسية لم تكتفِ بإنهاك صحتها، بل اضطرتها للابتعاد عن أطفالها ساعات طويلة، وعلى الرغم من قسوة العيش والعمل استطاعت أم جمعة أن تكافح واقعها والعمل من أجل توفير حياة أفضل لها ولأطفالها.