يعود مصطلح “المهمّشون” ما بين حين وآخر للتداول في وسائل الإعلام، ويُتحدّث عن مأساتهم بسبب عدم حصولهم على جميع حقوقهم في عدن، ثم تهدأ الأمور لفترة حتى يُعاد الحديث عن الأمر مجددا على استحياء. من هم “المهمشون”؟ وما دور الإعلام في عدن مناصرة قضاياهم؟
فئة مسحوقة
“لطالما حلمتُ أن يعيش أولادنا حياة كريمة يسودها العدل والمساواة؛ حياة لا يضطر فيها ابني إلى الشعور بالدونية أو النقص بين أقرانه” هكذا لخّص الحاج محمد سعيد (٥٥ عاما) مأساة كثير من المهمّشين في حديثنا معه في أحد أحياء دار سعد الخاصة بالمهمّشين بمدينة عدن. كان ذلك بين البيوت الضيقة العشوائية التي تُبنى غالبا من الصفيح والأخشاب، وتتزاحم بداخلها عشرات من الأطفال من الجنسين بعُمر متقارب.
تُجسّد حالة الحاجّ سعيد آلام فئة مجتمعية لطالما عانت من تبعات الصراعات المتعاقبة في اليمن، واعتبارهم الأدنى في سلّم الطبقات الاجتماعية مع تجاهل مستمر من قبل وسائل الإعلام، أو بذكر خجول أحيانا بغرض صنع انتصارات سياسية.
منذ عقود طويلة، يواجه المهمّشون أصنافا من التمييز والعنصرية والاستغلال بسبب بشرتهم السوداء، وهو تمييز بلغ حدّا اعتبره ناشطون في المجال الإنساني أشبه ما يكون بالرق أو الاستعباد، ولم يسلط الإعلام الضوء عليهم، ليتماهى هؤلاء اليمنيون مع الصور النمطية التي فاقم من وجودها التقاليد الصارمة للمجتمع القبلي في البلاد، ولعلّ لفظ “المهمّشين” بات أمرا اعتياديا بالنسبة لهؤلاء، أملا في التخلّص من كابوس سجن الكلمات التي تصفهم بـ”الأخدام”، وهو ما يؤلم بحسب قول الحاج سعيد، وهو الذي أكّد أن ألم هذا اللفظ قد توارثوه لأجيال عدة؛ وهو يجسد أسوأ ما في العبودية، وهو ما يفسر، بحسب قوله، تقبّلهم لوصف “المهمش” بوصفه أفضل الكلمات السيئة وأقلّها ضررا، ولم يخفِ الحاج سعيد رغبته الدفينة في أن يعيش يوما هو وأطفاله وكل من يشبهونه مثل أي مواطن يمني بكل حقوق المواطنة والعيش الكريم؛ لأنهم ليسوا أقلية عرقية، بل هم جزأ لا يتجزأ من بنية المجتمع اليمني، والذي أجبرهم على العيش في هامش المجتمع بحكم نظام التمايز الطبقي فيه.
تنميط على الصعيد المهني
قلّما يُكمل أولاد المهمشين الدراسة الإعدادية أو الثانوية، ونادرا ما تجد أحدهم في الدراسات العُليا؛ إذ تدفع بهم الظروف المعيشية الصعبة نحو مزاولة المهن النمطية، ودفعهم نحو سوق العمل في سن مبكرة.
وعلى الصعيد المهني يشتغل معظم المهمّشين في أعمال النظافة في مختلف المرافق الحكومية أو الخاصة، ولا يُوظفون غالبا إلا في بلديات المدينة متعاقدين يقومون بأعمال كنس الشوارع وجمع النفايات، أو فكّ سدادات المجاري، ويلجأ بعض مَن لم تبتسم لهم الحياة إلى التسول برفقة أولاده، ومن لم تسمح لهم كرامتهم بذلك يقومون بجمع المخلفات المعدنية والبلاستيكية طيلة ساعات اليوم، ويبيعونها بمبالغ زهيدة، أو يعملون في حياكة الأحذية أو أعمال الحمالة (حمل البضائع) الشاقة.
وبحسب مركز إنصاف للدفاع عن الأقليات، توجد تقديرات مختلفة حول عدد مجتمع المهمشين في اليمن، منها ما يشير إلى أن هناك ما بين 500000 و3.5 مليون شخص، أي ما بين 1.8٪ و12.7٪ من السكان.
وكشفت دراسة مسحية لمجتمع المهمشين في اليمن أعدتها اليونيسيف شملت 9،200 أسرة (51،406 شخصًا) عن ارتفاع مستويات الفقر، مع انخفاض مستويات الإلمام بالقراءة والكتابة والالتحاق بالمدارس، وكشفت تفاصيل أخرى من الظروف المعيشية السيئة.
جهود حقوقية وإعلامية
في سياق استعراضها لقضية المهمّشين، أكّدت الحقوقية د. ميداء من جامعة عدن في حديث خاص أن هناك كثيرا من القضايا التي يكون سببها العنف ضد المهمشين والإقصاء من المجتمع في الوظائف والاعتداءات وهتك العرض والسلوك غير اللائق الذي يتلقاه المهمشون من قبل المجتمع.
وبخصوص الجهود المشتركة بين الحقوقيين والإعلام، كشفت ميداء عن تعدّد الجهود التي تبذل؛ لأن التمييز ضد المهمشين هي ثقافة في الأول والأخير، وتُكتسب من خلال الممارسة، ولذلك يقع على عاتق الإعلام الدور الأكبر في نشر ثقافة المساواة بين مختلف أطياف المجتمع، وعن دور الحقوقيين، ذكرت أنها تكمن في سعيهم إلى تقديم مقترحات لقوانين تنصّ على تجريم ممارسة العنصرية ومعاقبة كل من يمارسها ضد المهمشين وغيرهم.