أحاطت بها ظروف الفقر والتهميش وسوء السكن، في بلد تعصف به الحرب الاهلية منذُ سبع سنوات، ولم تتوقف معاناتها عند هذا الحد، بل زاد معاناتها إصابةُ زوجها ومُعليها الوحيد بورم يحتاج إلى عملية جراحية مكلفة جداً.
استرجعت ماضيها -الذي لا يختلف كثيراً عن حاضرها– محاوِلة البحث عن حلول تستطيع من خلالها الحصول على لقمة العيش الكريمة لها ولزوجها المريض والعاطل عن العمل. كانت مهنة الغزل التي تعلّمتها وهي في سن الثانية عشرة ما خطر ببالها، بدأت في حياكة وصناعة ملابس خاصة بالأطفال وأدوات منزلية مصنوعة يدوياً من الأقمشة، وقامت ببيعها على سكان الحي الذي تسكن فيه.
خيط وإبرة
خيط وإبرة هي بداية الكفاح ومحاولة التغلب على الفقر والعنصرية والتهميش، إصرارٌ وإبداعٌ وتميز وحنكة فريدة في مواجهة الظروف المعيشية والمرضية لها ولزوجها، فقد تمكنت من إيجاد شيء من لاشيء.
عائشة سليمان مسيب (26 عاما) متزوجة، وليس لها أطفال، تسكن هي وزوجها المصاب بورم في حي القطابا – مديرية الخوخة – محافظة الحديدة غرب اليمن في خيمة مبنية من الكرتون والصفيح.
تقول عائشة بعد نفس عميق: “أعيشُ في خيمة صغيرة مبنية من الصفيح والكرتون، وفي منتصف 2018 أصيب زوجي بورم، وأصبح غير قادر على إعالتنا، فتأملتُ كثيرا في أوضاعي وزوجي بعين الحسرة واليأس، وقررت أن لا أستسلم للواقع المؤلم. كانت لي هواية في الغزل. قمتُ بشراء خيوط وإبرة بمبلغ بسيط، وبدأت أغزل وأصنع ملابس للأطفال وبعض الزينة المتعلقة بالأثاث والأدوات المنزلية، وأقوم ببيعها على الجيران والأهل في الحي. بدأ الناس يسمعون بما أقوم بغزله من ملابس وزينة للأدوات، فيأتون ويشترونها مني، فأغطي مصاريف أسرتي لمواجهة ظروف العيش ومتاعب الحياة. تعلمت مهنة الغزل منذ كنت طفلة في سن الثانية عشر وأصبحت هواية. صعوبة الحياة والمرض جعلتني أعود للعمل بها لتغطية نفقاتي ونفقات العلاج”.
تحلمُ عائشة سليمان بأن تمتلك ماكينة خاصة للغزل لكي تستطيع أن تنتج أكثر لتغطي مصاريفها ومصاريف العلاج الباهظة الثمن لزوجها.
نموذج فريد في مكافحة الفقر
تقول رئيسة جمعية “بصمة أمل التنموية” الأستاذة أشواق علي بلال: “نسعى لتشجيع الفتيات السمر للحد من ظاهرة التسول في الشوارع، وأنا فخورة جداً بالشابة عائشة سليمان؛ فهي نموذج للمرأة اليمنية المكافحة، وهناك كثير من الفتيات اللاتي استطعن الخروج من العزلة والواقع المُرّ الذي يعيشن فيه، فعلى سبيل المثال الشابة عبير محمد فتيني (19 عاما) خريجة ثانوية عامة من مدينة زبيد – محافظة الحديدة غرب اليمن، ترغب في الالتحاق بالجامعة، لكن ظروف أسرتها منعتها من الالتحاق بالجامعة، وهي تحاول جاهدة الحصول على ماكينة خياطة لكي تعمل وتواصل دراستها الجامعية”.
وتضيف الأستاذة أشواق بلال: “أتمنى من المنظمات الدولية العاملة في اليمن وجمعيات الأسر المنتجة أن تستهدف الفتيات السمر الراغبات في التمكين الاقتصادي لإعالة أسرهن ومواصلة تعليمهن، كما أتمنى أن تصل رسالتنا إلى فاعلي الخير لمساعدتهن وتمكينهن اقتصاديا”، وتقترح الأستاذة أشواق إنشاء معمل خياطة للأشغال اليدوية للفتيات السمر؛ فهي وسيلة هامة لإخراجهن من الفقر والتهميش، والحد من ظاهرة التسول التي تُعدّ مشكلة كبيرة تعاني منها النساء السمر وتُعرضهن لكثير من الاعتداءات الجسدية والنفسية.
التمكين الاقتصادي من الأولويات
ترى عائشة أن التمكين الاقتصادي من أولويات اهتمامها، وتحلم بأن يكون لديها معمل متكامل لغزل الأقمشة والملابس الصوفية للأطفال، فالتمكين الاقتصادي من أهم المشاريع التي يجب العمل بها وسط الفتيات السمر.
التوجيه المهني المرتبط بتعليم الأطفال شعور يبعث على الارتياح في النفس والطمأنينة بأن الفتاة السمراء يكمُن في داخلها النجاح والارتقاء إذا ما سنحت لها الفرصة للتدريب والتأهيل، وحصلت على الرعاية والدعم المادي والمعنوي والاهتمام؛ فالمثل الصيني يقول: “لا تعطيني كل يوم سمكة، بل علمني كيف أصطاد”.