لاجئون إلى اليمن في معاناة مُتراكمة

ثلاثة عقود منذ أن استوطن اللاجئون الصوماليون باليمن، هربا من شبح الحروب الأهلية التي عصفت بهم، فأهلكت الحرث والنسل، وهجّرت آلاف الأسر إلى أقطار مختلفة، وقد نالت اليمن حظا كبيراً من ذلك التدفق البشري الهارب من جحيم الحرب، وقد هيّأت لهم الحكومة اليمنية أماكن للاستقرار توفّرت فيها أدنى درجات السلامة وأسباب الحياة ومقومات العيش، وذاك مطلع التسعينيات بمحافظة “أبين” بموقع يطلق عليه “جحّين”، وقد عُرف لاحقا بـ”مخيم اللاجئين الصوماليين”.

 

بعد مضي ما يقارب العقد والنصف اضمحلت معالم ذلك المخيم وتلاشت منه الخدمات تدريجياً، ولعل أبرز أسباب ذلك التراجع الملحوظ لتدخلات المنظمات الدولية والمحلية وتقّلص الخدمات، مما اضطر أغلب الأسر إلى مغادرة المخيم إلى مناطق مختلفة، فتنوّعت هجرتهم الداخلية إلى محافظات مختلفة منها “عدن، أبين، لحج، شبوة، حضرموت”، وقد كانت محافظة “شبوة” من أكثر المحافظات استيعابا للاجئين الصوماليين، وذلك لموقعها الإستراتيجي وارتباطها بعدد من المحافظات، إضافة إلى ما تتمتع به من قيم إنسانية وتقاليد مجتمعية حميدة تناسبت مع طبيعة المهاجرين، فاستوطنوا في “عتق، حبّان، ميفعة، بَيحان”.

 

في نزول استطلاعي لصوت المهمشين التقى الفريق بعدد من الأسر والأفراد للاطلاع على الوضع المعيشي والاقتصادي لتلك الأسر بمدينة “عزان” التابعة جغرافياً لمديرية “مَيفَعة” محافظة “شبوة”.

 

تحدثت للموقع اللاجئة “أماني” قائلة: “إنا أرملة، وربّة بيت. لديّ 6 من الأولاد؛ 5 أبناء وبنت: سميرة. أعيلهم مما أحصل عليه من مساعدات إنسانية من فاعلي الخير، ولا أتلقّى أي مساعدات، سواء من منظمات دولية أم محلية”، وأوضحت أيضا: “أولادي محرومون من التعليم على الرغم من وجود الرغبة الجامحة لديّ ولديهم لذلك، ولكن وضعنا المادي السيّئ، حال بيننا وبين ما نصبو إليه، ومما ضاعف المعاناة إيجار الشقة التي نسكن فيها، ونُطالب بالتسديد نهاية كل شهر، ونحن عاجزون عن ذلك”.

 

وتحدثت “فاطمة أحمد” قائلة: “زوجي عاجز عن العمل، ولم يتسنَّ له الحصول على عمل يسدّ به حاجتنا كأسرة تتكون من 5 أفراد”، وتضيف: “إلى جانب تلك المعاناة، أتحمّل مسؤولية إعالة الشابة “صابرين زيد” ذات الـ 15 ربيعاً، وهي ابنة أخي الغائب عنها أبوها وأمها”. اختصرت فاطمة الأمر بعبارة مؤلمة قائلة: “إننا نعاني، ولم يشعر أحد بمعاناتنا، ولم نتلقَ أي مساعدات من أي جهة محلية أو دولية”. وأبدت فاطمة رغبتها قائلة: “نحن نريد أن يلتحق أطفالنا ومن نعول بدور العلم، لكننا نعجز أمام تحقيق ذلك، لوضعنا القاسي ومآسينا”. وتدخّلت ابنة أخيها صابرين قائلة: “أريد أن أتعلم والتحق بالمدرسة، إلا أن غياب أبي وأمي وعجز عمتي حال بيني وبين أمنيتي”.

 

وبذات الصدد تحدث “عبد الفتاح حسن” قائلا: “أعمل في غسل السيارات وتنظيف أنابيب الصرف الصحي، وهي أعمال متقطعة ولا تفي بالاحتياجات الأسرية، لا سيما مع تردّي الوضع المعيشي الناجم عن الغلاء وانهيار العملة، وقد توقفت ابنتي عن مواصلة تعليمها، في حين لم يلتحق بالتعليم بقية الأبناء للأسباب المذكورة آنفاً”.

تحدثت “أم جمال” ذات العقد الخامس من العمر قائلة: “إنا أرملة، ولديّ 7 من الأولاد؛ 6 بنات وابن، جميعهم قُصّر، أعيلهم من خلال استعارة الملابس من المحلات التجارية وأتنقّل بها في القرى والمناطق الريفية لغرض بيعها مقابل أرباح زهيدة لا تفي بالحد الأدنى من المتطلبات الأسرية”، وأضافت قائلة: “ما زلنا نعاني من قسوة الحياة ومصاعبها وعجزنا عن الحصول على الحياة الكريمة”.

وصرح شيخ اللاجئين الصوماليين “شينا” قائلاً: “إن الوضع المعيشي للاجئين الصومال متدن، وقد تفاقم الأمر جراء الانهيار الكبير للعملة المحلية أمام الدولار والعملات الصعبة. أصبح غالبية الصومال عاجزين تماماً عن الحصول على حياة كريمة، ومفتقدين لأبسط الخدمات وتوفير متطلبات أسرهم، وغير قادرين على إلحاق أولادهم بالمدارس والحصول على الرعاية الصحية والاجتماعية”، وقد نفى “شينا” في الوقت نفسه تلقيّهم أي معونات سواء على المستوى المحلي أم الدولي، ودعا السلطات اليمنية إلى لفتة كريمة منها تخفف من معاناتنا، كما دعا إلى تبني مشاريع تنمّي من قدرات شباب وشابات أبناء اللاجئين الصومال، ليصبحوا ذوي مهن يكسبوا من خلالها مصادر للعيش، وإلى استيعاب ربات البيوت في ذلك أيضاً، ليتمكنَّ من إعالة أسرهن، وطالب بتنفيذ خطوات عملية تُسهم في التحاق أبناء وبنات اللاجئين بالمدارس، كما دعا إلى حصر جميع الأسر اللاجئة واستيعابهم ضمن البرامج الإغاثية.

وأشار مسؤول إدارة الخدمات بالمجلس المحلي بمديرية “ميفعة” الأستاذ منصر سلطان إلى أن المجلس المحلي بالمديرية عمل مسحا شاملا لجميع اللاجئين الصومال بالمديرية، وتم تزويد بعض المنظمات الدولية العاملة بالمحافظة بنسخ من ذلك المسح مُرفَقا بمذكرات توضح المعاناة التي يعيشونها على أمل تقديم ما يمكن تقديمه لمجابهة صعوبات الحياة وقسوتها.

 

كما أكدت الناشطة والباحثة في المجال الإنساني الأستاذة عائشة العرز قائلة: “إن الوضع الحياتي والمعيشي للاجئين الصومال كارثي، ولا يحتمل في عدد من النواحي، وأصبح من الضرورة بمكان التدخل السريعة والعاجل للمنظمات المانحة على المستويين المحلي والدولي”.

المقالة التالية
عدن – ممثل مفوضية اللاجئين يلتقي بن بريك لمناقشة قضايا تهجير المهمشين النازحين في بعض المحافظات الجنوبية
المقالة السابقة
تأهيل 32 اختصاصيا اجتماعيا حول إدارة الحالة للأطفال المستضعفين في مأرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed

مقالات مشابهة :

الأكثر قراءه

━━━━━━━━━

كتابات

━━━━━━━━━