خلّفَ الصراع القائم في اليمن آثارا مدمّرة على النظام التعليمي، وأصبح عدد كبير مِن الطلاب خارج أسوار المدرسة بسبب تضرّر عدد من المدارس وما أصابها من دمار كلي أو جزئي، ومَن استطاع الإلتحاق بها، عجز عن توفير الكتب المدرسية لعدم توفرها او نقصها في المدارس، ومتوفره على الارصفة تُباع في السوق السوداء في بعض المناطق والمحافظات اليمنية، وهو الأمر الذي سبّب مشكلة شكّلت حجرة عثرة أمام سير العملية التعليمية.
انقطاع الكُتب يؤثّر سلبا في مستقبل التعليم
تقول إيمان أحمد (طالبة في الصف السابع): “نكتبُ كلّ ما تقوله لنا المدرسة، ونذاكر من الدفاتر، فلا يوجد كتاب نذاكر منه، وإذا توفّرت لنا كتب لبعض المواد، تكون من السنوات السابقة، وهي متهالكة ذات صفحات ممزقة”.
أم محمد تشتكي من عدم قدرتها على المذاكرة لأطفالها بسبب عدم توفر الكتب المدرسية، فتقول: “لا أستطيع فهم خطّ طفلي، ولا أستطيع المذاكرة له، وقد تدنّى مستوى طفلي لعدم متابعتي ومذاكرتي له”.
وأكّدت أم جنات أنها استمرّت شهرا كاملا تذاكر الآيات القرآنية المقرّرة لمادة القرآن الكريم للصف الرابع من المصحف بسبب عدم توفر كتاب المنهج، مضيفة: “لشهر كامل لم يحفظ الأطفال التفسير والمعاني والتجويد، وتراكمت عليهم الدروس، وأصبحوا غير قادرين على الاستيعاب”.
وتوزّع بعض المدارس على الطلاب كتبا متهالكة من السنوات السابقة، وقد يحصل كلُّ طالبين على كتاب واحد يتبادلونه بينهما؛ كل يوم عند واحد منهم، فينتظر الآخر إلى حين يأتي دوره.
علي محمد أحمد (طالب الصف السابع) يقول: “أنا واحد من الطلاب الذين لم يستطيعوا الحصول على جميع الكتب، ولا نعرف لماذا! وعندما نطالبهم بأن يوفروا لنا الكتب، يردّون علينا ويقولون: دبّروا أنفسكم”، ويضيف: “في البيت أدرس أنا وأربعة من إخواني. من أين لوالدي القدرة على توفير كتب لنا جميعا”.
كٌتب مدرسية على أرصفة الشوارع
كتب متهالكة ممزقة، وبعضها بطبعات جديدة تملأ الشوارع والبسطات. هذا ما لحظناه في النزول الميداني لصوت المهمشين، وقد التقينا بالعم جمال محمد وسألناه عن أسعار الكتب، فأجاب: “كل كتاب وله سعر، الجديد بـ500 والمستخدم بـ250، وحينها عرضتُ عليه أن أجلب مجموعة من الكتب المتهالكة لأبيعها له، فوافق على ذلك بقوله: “هاتهم وما نختلفش”. وفي بسطة أخرى هناك عدد من الكتب الجديدة تُباع في الشوارع، ويبلغ سعر كل كتاب 500 ريال يمني.
يقول عبد الله أحمد (ولي أمر): “أذهبُ إلى المكاتب لأقوم بطباعة الكتب لأبنائي. أصبحت هذه العملية تؤرقني، فنحن في وضع لا نُحسد عليه بسبب انقطاع الرواتب وقلة فرص العمل، ولم نعد نتحمل ظهور مشاكل أخرى”.
انقطاع الدعم سبب لعدم توفر الكتب
أسهمت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” بدعم متواضع للمطابع بـ1000 طن من الورق، ولكنها فيما بعد أعلنت في إبريل من عام 2017 تعليق دعمها لطباعة الكتب المدرسية بعد اتهام طالها بأنها تدعم عملية تغيير المناهج التي قامت بها وزارة التربية والتعليم في صنعاء.
وأكد مدير عام قطاع المناهج أنّ الكتاب المدرسي مختار المشوشي أنه كان يُطبع في مطابع الكتاب المدرسي بما يُقدّر بـ42 مليون دولار في كل مدارس الجمهورية. هذا الدعم كان عبارة عن أموال من المانحين لطباعة الكتاب، وقد استمر هذا الدعم إلى عام 2015، ثم توقف هذا الدعم بسبب الانقسام الحاصل في البلاد، واستمرّت طباعة الكتاب المدرسي بنسب محددة لا تغطّي كل مدارس المحافظات، ولكنها كانت تُطبع بنسب بسيطة اعتمادا على الموازنة التي كانت تُرصد من قبل الحكومة، وكانت تُقدّر أربعة مليارات ونصف كل عام، واستمر ذلك إلى عام 2016 و2017 وإلى العام 2019، وتوقف في العام الماضي، والعام الحالي لم يصرف إلا مليار ونصف تقريبا، ومن هنا بدأت أزمة توفير الكتب المدرسية، وكانت هناك تراكمات، وظلّ هذا العجز يتراكم إلى أن توقّف العام الماضي، ولم تطبع إلا كميات بسيطة ومحدودة وتفاقمت أزمة الكتاب المدرسي، وبالتالي أصبحت تشكل عقبة تواجه وزارة التربية والتعليم. هذه الأزمة ترتبت عليها أزمة كبيرة لأننا نعتمد على الكتاب المدرسي بشكل أساسي في العملية التعليمية، وبشكل عام لا يشجع وضع البلد على استخدام مصادر أخرى للتعليم بسبب ضعف الانترنت، وفي الوقت نفسه لا يغطي الانترنت جميع مساحة البلاد.
إعادة الكتب للمدرسة مقابل الشهادة
أكّدت ملك محمود (طالبة في الصف الثاني ثانوي) أن المدارس تشترط عليهم لاستلام شهائدهم تسليم كتبهم السابقة، وأنه تُسجّل الأسماء بكشوفات للتحقق من ذلك.
وأوضحت فاطمة أحمد (معلمة في مدرسة أروى للبنات) سبب عدم توفر الكتب المدرسية في المدرسة بسبب عدم توفرها من قبل وزارة التربية والتعليم، وذلك بسبب العجز في طباعة الكتب.
المدارس الخاصة توفّر الكتب المدرسية بأسعار باهظة
10000 ريال رسوم الكتب المدرسية. هذا ما تعرضه إدارات المدارس الخاصة من مبلغ للحصول على الكتب المدرسية وتوفيرها للطلاب. وتقول أحلام أمين (مدرسة في مدرسة خاصة): “يدفعُ أولياء الأمور ما يقارب 10000 ريال، وذلك لطباعة الكتب ودعم المدارس الحكومية، وهذه الأسعار تُفرض كذلك على المدارس الخاصة من قبل الوزارة، ولا شأن لنا في ذلك”.
هذا، وقد قامت عدد من المدارس الخاصة بجمع كتب الطلاب المستخدمة كمساهمة لدعم المدارس الحكومية في الحصول على الكتاب.