حقيقة انتشار حقنة دواء مزيفة تقتل الأمهات الحوامل والمواليد في اليمن

يعجّ الفضاء الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية بالشائعات التي طالت كل المجالات ولم تستثنِ شيئًا، حتى الأمراض والأدوية، وتوظّف في سياقات مضللة تكون دوافعها غالبًا سياسية، فيما يبقى المواطن ضحية هذا الصراع، فقد تداولت مواقع صحفية ووسائل إعلام يمنية في 18 يناير الماضي شائعة تفيد بانتشار حقنة دواء مزيفة في العاصمة صنعاء ومناطق سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، متسببةً بوفاة العشرات من الأطفال والأمهات.

وذكرت الشائعة أن نساء حوامل استخدمن حقنة دواء “Anti-d” بعد انتشارها في الصيدليات والمشافي، وهي حقنة مزيفة تحتوي على دواء “ديكساميثازون” على أنها Anti-d، مشيرةً إلى أنها تسببت في وفاة أمهات ومواليد، لكن هل بالفعل حقنة الدواء المزيفة تلك تسبب الوفاة؟!

سياق مُضلل

جرى تداول الشائعة في نطاق واسع واستخدامها في سياق مضلل على الرغم من صحة الحادثة وأن حقنة الدواء كانت مزيفة بالفعل؛ إذ لم تكن تحتوي على التركيبة الدوائية لدواء “Anti-d” الذي تستخدمه الأم الحامل، بل احتوت على مادة “ديكساميثازون”، بحسب الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية فرع صنعاء.

وكانت الهيئة قد أصدرت تعميما في 7 يناير، قبل انتشار الشائعة، بسحب الدواء المزيف من السوق الدوائية اليمنية، وتقول إن حقنة دواء (IMMUNOGLOBULIN Human ANTI-D (RH) 250) الصادر عن شركة Medi Cuba الهندية مغشوشة مزيفة، وتحتوي على مادة ديكساميثازون.

الهيئة حذرت في تعميمها المواطنين من استخدام الحقنة المزيفة، وأكّدت أنها ستعمل على سحب الدواء من السوق، لكنها لم تُشر إلى أن الحقنة تسببت بوقوع ضحايا وفيات من الأمهات والأطفال كما ذكرت الشائعة، بمعنى أن الحقنة مزيفة بدواء “ديكساميثازون” لكنها لا تسبب الوفاة.

وللتحقق من ذلك، يقول الطبيب الصيدلاني عمر عبد الباسط، مالك صيدلية الثورة المركزية جوار مستشفى الثورة العام وسط مدينة تعز: “إن دواء ديكساميثازون يستخدم علاجا مضادا للحساسية والالتهابات، وكذلك اضطرابات جهاز المناعة وعلاجا لنقص الهرمونات، ويستخدم لزيادة الشهية أحيانًا، لكن لا يمكن أن يسبب أي خطورة للمريض”. ويؤكّد في حديثه لصوت المهمشين أن الدواء ليس له آثار جانبية خطرة على المريض حتى لو استخدمته المرأة الحامل، مشيرًا إلى الحديث بأنه يسبب الوفاة للأمهات أو الأطفال المواليد غير صحيح وليس محتملاً إطلاقًا.

انعكاسات سلبية

في الغالب يكون للشائعات آثار وانعكاسات سلبية على المواطنين أو الجمهور بشكل عام، لكن الشائعات التي طالت الجانب الصحي لا سيما الأدوية يتضاعف تأثيرها؛ إذ قد تسبب شائعة الحقنة المزيفة تلك بعزوف المرضى عن تناول الأدوية، خصوصًا الأمهات الحوامل والأطفال، طالما أن الأمر يهدد حياتهم.

وفي هذا الخصوص، يقول نائب مدير التثقيف الصحي بمكتب وزارة الصحة التابعة لحكومة عدن في محافظة تعز، تيسير السامعي، إنه من المؤسف أن تتناقل وسائل الإعلام والصحفيين معلومات غير حقيقية، وتتداول مثل هذه الشائعات من دون التحقق من صحتها وأخذ معلوماتها من الجهات الرسمية؛ لأن لها تأثيرات سلبية كبيرة تجعل المرضى يمتنعون عن تناول الأدوية، خصوصا الأطفال والنساء. ويضيف لصوت المهمشين أن ما تقوم به هذه الوسائل “جرم كبير”؛ لأنه يهدد حياة المريض، وقد يسبب له المرض الذي يعاني منه بمضاعفات صحية خطيرة بسبب عدم تناول العلاجات.

ويشير السامعي إلى أنهم بالتثقيف الصحي يعملون على نشر المعلومات الصحية والتوعوية بشكل مستمر في سبيل مكافحة هذه الشائعات، لافتًا إلى ضرورة أن يكون هناك أيضًا بيانات صحفية دورية وتوضيحات من السلطات الصحية العليا بعموم الجمهورية عن هذه الشائعات وتفنيدها بالمعلومات الحقيقية.

وبالبحث العكسي، لم نرصد أي إجراءات مباشرة أو بيان صحفي لوزارة الصحة العامة والسكان في حكومة صنعاء، توضح فيه تفاصيل حقنة الدواء المزورة والبت في الجدل الذي أثير حولها، غير أنها اكتفت فقط بنشر التعميم على موقع الهيئة العامة للأدوية.

ماهي حقنة Anti-d؟

حقنة Anti-d التي زُيّفت بتركيبة دوائية أخرى هي لقاح يُحقن للأم الحامل في حال كان هناك اختلاف في عامل “الرايزيسي” بين فصيلة دم الأم والطفل، أي إذا كان عامل دم الأم سلبيا وعامل دم الأب إيجابيا، فيكون عامل دم الجنين إيجابيا، كما تقول اختصاصية النساء والولادة الطبيبة افتكار الفهيدي. وتضيف في حديثها لصوت المهمشين: “عند التأكد من اختلاف عوامل فصائل الدم بين الأم والطفل، يجب أن تُحقن الأم الحامل بالدواء أو اللقاح في الشهر الثامن أو بعد الولادة بنحو 48 ساعة أو أثناء الولادة عندما تكون ولادة الجنين عن طريق عملية قيصرية”.

وتوضح الفهيدي، بأنه يجري إعطاء الأم الحامل اللقاح وقائيًا في حالة حدوث نزيف أو إجهاض لديها أو أي عامل قد تؤدي إلى اختلاط دم الأم بدم الطفل، وفي حالة حدوث ذلك ينتج مرض يعرف بعدم توافق العامل الرايزيسي، الذي قد يؤدي لاحقًا إلى إصابة الجنين أو الطفل بمرض انحلال الدم. وبحسب الفهيدي، إذا لم تأخذ الأم اللقاح فإن ذلك لا يشكل خطورة في الحمل الأول عادةً، لكن قد يزداد الخطر مع كل حمل لاحق، وقد يتعرض الطفل أو الجنين للإصابة بانحلال الدم الذي يمكن معالجته، بمعنى أنه لا يهدد حياة الطفل إلا في حالات نادرة عند تأخر الإجراءات الطبية العلاجية.

نستنتج من حديث طبيبة النساء والولادة أن حقنة الدواء تستخدم إجراءً وقائيا عند اختلاف عوامل فصائل الدم بين الأم والجنين، وإذا لم تستخدمه الأم، فإنه لا يسبب الوفاة، إنما قد يصاب الطفل ببعض أعراض مرض انحلال الدم، كما لا يشكل خطرًا على الأم نفسها، وهذا ينفي ادعاء الشائعة بأن الحقنة المزيفة تسبب بوفاة عشرات الأطفال والأمهات الحوامل.

الأدوية المهربة والمزيفة

في سنوات الحرب الأخيرة، تكدّست الأسواق الدوائية في اليمن بالأدوية المهربة والمزيفة بشكل كبير، وانتشرت في الأسواق السوداء أصناف كثيرة من تلك الأدوية، وتعددت الأسباب واختلفت العوامل التي أسهمت في حالة من الفوضى التي فاقمت الكارثة الصحية بالبلاد.

في هذا الصعيد، يقول الصيدلاني عبد الباسط إن الأدوية المهربة تكون جودتها ضعيفة وسعرها رخيصا، وهي لا تسبب خطرًا كبيرًا على حياة المريض، لكن لا تعالج المرض الذي لديه بسرعة، لأن تركيبتها الدوائية تكون ذات جودة رديئة. ويشير عبد الباسط إلى أن الشركات أو الوكلاء الموزعين يعملون على تهريبها أو إدخالها إلى البلاد بطريقة غير شرعية؛ لأن السلطات الحكومية تمنع دخولها بسبب عدم مطابقتها لمواصفات الجودة والمعايير الطبية من جانب، ومن جانب آخر يقع ذلك هروبًا من دفع الضرائب.

أما بالنسبة للأدوية المزيفة، فيوضح الطبيب الصيدلاني بأنها قد تسبب خطورة على حياة المريض في بعض الأحيان؛ لأنها تحتوي على تركيبات دوائية مختلفة عن التركيبة الحقيقة للدواء، ويكون غلاف علبة الدواء باسم علاج وتركيبة معينة بينما المحتوى يختلف تماما ويكون مزيفا، ومعه تختلف نسبة الخطورة بحسب أهمية الدواء المستبدل.

وبحسب عبد الباسط، يكون الهدف من تزييف الأدوية غالبًا ربحيا وماديا؛ لأنه تُختار الأدوية الباهظة وتُزيّف وتباع بأسعار مرتفعة، فيما الدواء الذي بداخلها قيمته لا تساوي ربع القيمة الفعلية للدواء الحقيقي. ويضرب على ذلك مثالاً بالدواء المزيف الذي تضمنته الشائعة، فقد كان سببه ماديا؛ لأن الحقنة الواحدة للقاح “Anti-D” يبلغ سعرها نحو 30$ دولارًا أمريكيًا، بينما حقنة دواء “الديكساميثازون” التي وُضعت بديلًا للقاح قيمتها الفعلية لا تكلف دولارًا واحدًا!

غلاء وغياب الرقابة

يرى أحد الوكلاء الموزعين لشركات الأدوية في مدينة تعز، الطبيب خالد محمود، أن السبب وراء انتشار الأدوية المهربة هو ارتفاع أسعار الأدوية الشرعية وتكاليف نقلها في البلاد، وبالتالي يضطر المواطنون إلى البحث عن دواء مهرب باعتبار أن سعره منخفض، وهذا يزيد في الطلب عليه.

ويشير الطبيب في حديثه لصوت المهمشين إلى أن نسبة ارتفاع أسعار الأدوية حاليًا وصل إلى 300% عما كانت عليه قبل الحرب، فيما وصلت نسبة ارتفاع بعض الأصناف من الأدوية إلى 1000%، لأبسط المستلزمات، كعبوة أنبوبة الحقنة الطبية، التي كان سعرها قبل الحرب 600 ريال، فيما تباع الآن بسعر 6 آلاف ريال.

ويقول الطبيب محمود إن غياب الرقابة على الأدوية التي تدخل البلاد، من قبل الحكومة والسلطات الصحية، وعدم تشديد الإجراءات الرقابية في المنافذ وتنفيذ حملات تفتيش للسوق الدوائية في البلاد، أسهم في انتشار الأدوية المهربة والمزيفة معًا بشكل كبير.

وبحسب محمود، هناك أسباب أخرى تتعلق باحتكار بعض الأدوية، خصوصًا المتعلقة بالأمراض المزمنة، وكذلك ظهور أسواق سوداء إلى جانب استمرار الصراع وإغلاق المنافذ والطرقات، ما سبب ارتفاع تكاليف النقل، إضافةً إلى رفع الرسوم الجمركية في المنافذ سواء في جنوب البلاد أم شماله.

 

( أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة “lnternews” ضمن مشروع “Rooted in trust” في اليمن)

المقالة التالية
منظمة البحث عن أرضية مشتركة تقيم دورة تدريبية حول العنف القائم على النوع الاجتماعي
المقالة السابقة
“كفاية” تقيم دورة لمناصرة المرأة المهمشة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed

مقالات مشابهة :

الأكثر قراءه

━━━━━━━━━

كتابات

━━━━━━━━━