لم يكن في حسبان أسرة أحمد المساجدي أن طفلهم ذا العامين والثمانية الأشهر سيكون ضحية لدواء منتهٍ أو مهرّب أو ممارسة طبية خاطئة في إحدى مستشفيات العاصمة، وأن الطفل سيعود متوفياً، ويُشيع إلى مثواه الأخير، وقد كان ذلك بعد أن حُقن بجرعة علاج ملوثة منتهية، وفقاً لرواية وزارة الصحة اليمنية.
أدّت حادثة وفاة أكثر من عشرة أطفال في مستشفى الكويت بالعاصمة صنعاء، بسبب أدوية العلاج الكيميائي المهربة والفاسدة التي أُعطيت لهم إلى انتشار الرعب بين المرضى الذين يعتمدون على الأدوية المهربة للعلاج، وذلك بسبب عدم توفر الأدوية الرسمية، والسبب يعود إلى عزوف بعض الشركات العالمية عن تصدير أدويتها إلى اليمن، مما يؤدّي إلى تهريب الدواء عن طريق وسائل غير آمنة.
مخاوف وانعدام ثقة لدى المستهلك
صار الدواء داءً جديداً يتفشى، فتتضاعف أضراره، وتتعاظم مخاطره. يتكرر الحديث بين المواطنين عن حكايات مؤلمة ضحاياها بلا حدود. خلود صالح مواطنة في الثلاثين من عمرها تسكن حي سَعْوان بالعاصمة صنعاء تقول: “الخوف لم يعد في الدواء المنتهي أو المهرب، ولكن في الأخطاء التي يقوم بها كثير من الصيادلة في إعطاء أدوية خاطئة ومضرة، بسبب عدم كفاءة من يعملون بالصيدليات أو بسبب الإهمال وعدم التركيز واللامبالاة”، وتشرح خلود: “أُصيبت ابنتي بالتهابات في المسالك البولية وعمرها 8 سنوات. كتبت لي الطبيبة دواء. ذهبت إلى الصيدلية لشراء الدواء، فأعطاني الصيدلي دواء، وعندما وصلت البيت استغربت أن الدواء يُستخدم عن طريق المهبل وبقمع مهبلي. كنتُ متفاجئة، وعندما نظرت إلى رشدة العلاج عرفت أنه للبالغات، ويُمنع منعاً باتاً استخدامه للأطفال”.
من جانبه، يقول محمد صبر وهو أب لثلاثة أطفال: “لم يعد لدينا ثقة في الأدوية. كنت في الماضي أشتري الدواء ولا أهتم بالتاريخ ولا بالمصدر، ولكن الآن يجب أن أفحص التاريخ ومصدر الدواء”. ويضيف: “لم أكن أهتم بموضوع إعادة الدواء إلى الطبيب المعالِج بعد شرائه، وكنت أعدّ الأمر عاديا. حالياً يجب على كل شخص إعادة الدواء إلى الطبيب المعالج ليشرح لك طريقة الاستخدام، ويعرف مصدر الدواء”.
ضحايا كُثر
الأربعينية عبير الخالدي فقدت جنينها في شهره الرابع، وعانت كثيراً، ودخلت في غيبوبة بسبب مرض السكري، رغم جرعات الأنسولين التي كانت تستخدمها بانتظام. بحسب روايتها، لم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى علمتْ أن السبب في جرعات الأنسولين المجاني، وقد كانت تحصل عليه من إحدى صيدليات مستشفى حكومي بصنعاء. وقالت لـصوت المهمشين: “كنتُ أستعمل دواء الأنسولين بشكل منتظم، بحسب وصفة الطبيب، وكنتُ أحصل عليه بشكل مجاني من الحكومة”.
وأضافت: “رغم استمراري في استعمال الدواء، أصبحت أعاني من أعراض ارتفاع السكر: زغللة في العيون، تعرّق مستمر، خفقان في القلب، وعندما أقوم بفحص السكر أجد أن السكر لا ينخفض إلا بشكل بسيط”. ولفتت عبير إلى أن الأطباء أخبروها أن دواء “أنسولين ماكس” الدنماركي فقد مفعوله بسبب سوء التخزين.
ويقول أحد المواطنين (طلب التحفظ على اسمه): “أُصبت بجلطة بسبب تناول منشط جنسي منتهي الصلاحية. أخبرني الصيدلي أنه آمن وليس له أعراض جانبية، لم يكن مكتوبا عليه الشركة المصنعة، وفي اليوم نفسه نُقلت إلى المستشفى”. وأضاف: “تدهورت حالتي الصحية، ودخلت العناية المركزة. بعدها أخبرني الأطباء أن المنشط الجنسي الذي تناولته هو السبب”.
يقول الصيدلي محمد عامر لـصوت المهمشين: “أغلبُ الصيدليات تقوم ببيع الأدوية المهربة والمزورة ومنتهية الصلاحية، بسبب عدم توفر الأدوية الرسمية أو شحّتها في السوق، برغم التحذيرات التي أطلقتها الهيئة العليا للأدوية”.
ويضيف: “هناك كثير من الشركات الدوائية ظهرت بعد الحرب، وتقوم ببيع أدوية رديئة ومهربة، ونتلقّى كثيرا من الشكاوى من المرضى بسبب هذه الأدوية”.
إشاعات تزيد الطين بله.
في الآونة الأخيرة، وخصوصاً بعد حادثة أطفال اللوكيميا في صنعاء، تناقل عدد كبير من الناس إشاعات أو أخبارا حول بعض الأدوية، وخصوصاً اللقاحات، في وسائل التواصل الاجتماعي، مما أثار الفزع بين الناس.
محمد شمهان مواطن ينتمي إلى فئة المهمشين في اليمن، وهو أب لأربعة أطفال، لم يقم بتطعيم أطفاله بأي لقاح على الإطلاق. يقول محمد: “كل اللقاحات تضر الأطفال؛ لأنها تأتي مهربة وتُنقل وتُخزّن في أماكن غير مناسبة. أطفالي بخير ولن يحصل لهم شيء”.
من جانبه، يقول المواطن عبد الرحمن خلف: “في اعتقادي أن اللقاحات التي تصل لليمن قد تكون منتهية بسبب تأخرها واحتجازها في الموانئ لفترات طويلة، ونحن نعطيها لأطفالنا والله الحافظ”.
يقول الدكتور خالد القُهالي: “إن تداول هذه الإشاعات، من دون استقاء المعلومة من المصادر الرسمية، له انعكاسات خطرة على المجتمع ويسبب الفزع، خصوصا لدى شريحة المرضى”. ويضيف: “يعلم الجميع أن كثيرا من الناس في مجتمعاتنا يتقمّصون دور الطبيب والخبير في كل شيء، فيصدرون فتاوى وتحذيرات وكأنهم أطباء متخصصون، وتُتداول هذه النصائح والإرشادات والتحذيرات في مجالس تناول القات. بسبب هذه الإشاعات أو النصائح، يقوم بعض الأشخاص بالتوقف عن تناول الدواء أو تعديل الجرعات الدوائية من دون الرجوع إلى طبيب مختص”.
من جانبه، يقول طه العقاري، رئيس إدارة التحصين وسلسلة التبريد في البرنامج الوطني للتحصين الموسّع في صنعاء: “التحصين الروتيني هو العمود الفقري للمجتمع، ويمثّل الحل الأمثل لحماية الأطفال من الأمراض الخطيرة وضمان أجيال خالية من الأوبئة والأمراض”، ويضيف قائلاً: “تتوافق الممارسات الخاصة بتخزين اللقاحات والتعامل معها مع المعايير الدولية، بدءا من لحظة خروجها من مصدر تصنيعها حتى وصولها إلى المستودعات المركزية في صنعاء، حيث تُسلّم ثم تُنقل بواسطة الشاحنات المجهّزة بالمبردات إلى مستودعات التخزين في المحافظات، ثم إلى المديريات، وصولاً إلى وجهتها الأخيرة في المرافق الصحية. تتم جميع مراحل نقل اللقاحات بمعدات سلسلة التبريد لضمان فاعلية اللقاحات وإيصالها بالشكل المناسب إلى المرافق الصحية”.
تحذيرات أممية مؤخراً
حذرت منظمة الصحة العالمية في السادس والعشرين من الشهر الجاري من وجود دفعة ملوثة لدواء يُستعمل في علاج السرطان وأمراض المناعة الذاتية في لبنان واليمن. وفي بيانها، قالت المنظمة إنه عُثر على الدفعة الملوثة في اليمن ولبنان بعد ظهور آثار ضارة على أطفال مرضى يتلقون الدواء.
ومن جانبها أجرت السلطات الصحية في البلدين اختبارات ميكروبيولوجية على القوارير المختومة المتبقية، وكشفت نتائج الاختبارات عن وجود بكتيريا الزائفة الزنجارية، وهو ما يدلّ على تلوث المنتجات.
ويندرج دواء ميتوتريكسات ضمن قائمة منظمة الصحة العالمية النموذجية للأدوية الأساسية، وهو عامل علاج كيميائي كابت لجهاز المناعة الذاتية، وعدوى الزائفة الزنجارية التي تصيب مجرى الدم هي عدوى خطيرة يمكن أن تؤدّي إلى الوفاة، ويمكن لأي منتج ملوث يُحقن مباشرة في الجسم أن يشكل مخاطر شديدة على المرضى.
فيما أكدت شركة التصنيع لمنظمة الصحة العالمية أن المعلومات المتعلقة برقم الدفعة وتاريخ التصنيع وتاريخ انتهاء الصلاحية المشار إليها في التنبيه مطابقة لما يرد في سجلاتها الداخلية، إلا أنها لم تحصل حتى الآن على عينات من المنتجات المشتبه فيها لكي تجري عليها اختباراتها التأكيدية.
الجدير بالذكر أنه كان من المفترض أن تُباع هذه الدفعة حصرياً في الأسواق الهندية وأن الكمية الموجودة في لبنان واليمن استُوردت من خارج سلسلة توريد المنظمة، لذا لا يمكن لشركة التصنيع أن تضمن سلامة المنتج.
من جانبها، أوصت منظمة الصحة العالمية بضرورة الكشف عن المنتجات الملوثة وسحبها من التداول لمنع إلحاق الأذى بالمرضى، وطلبت زيادة الترصد وتوخّي الحذر على مستوى سلاسل التوريد في البلدان والأقاليم التي يُحتمل تأثرها بهذا المنتج.
كما نصحت المنظمة بزيادة المراقبة على مستوى الأسواق غير النظامية، وحثت السلطات المختصة بإخطارها فوراً إذا ما اكتُشف هذا المنتج في أسواق بلدانها، وحثت منظمة الصحة العالمية شركات التصنيع على إجراء اختبارات للكشف عن أي تلوث ميكروبي قبل إصدار دفعات المنتجات النهائية للاستعمال، وشدّدت على ضرورة الحصول على الأدوية من مورّدين معتمدين ومرخصين، والتحقق بعناية من أصالة المنتجات وحالتها المادية.
( أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة “lnternews” ضمن مشروع “Rooted in trust” في اليمن)