منذ نحو ثلاثة أشهر، يواصل وباء حُمّى الضنك اجتياحه لمحافظة تعز، ويتوسع انتشاره في المدينة والأرياف. هذا الوباء المستوطن يستمرّ في حصد أرواح المواطنين في تلك المدينة، ويدق ناقوس الخطر على فئة المهمشين التي تُعدّ من أضعف الفئات المجتمعية مقاومةً له صحيًا وبيئيًا.
الأمراض والأوبئة لا تميّز بين الناس ولا تستثني أحدا، على عكس ما تفعله المجتمعات من ممارسات للعنصرية وللتمييز بحق الفئات المهمشة، وقد عاود هذا العام وباء حمّى الضنك اجتياحه لمدينة تعز بحِدّة وبأقوى من أي عام مضى، ووصلت حالات الإصابة بالوباء نحو 10300 حالة إصابة و13 حالة وفاة، وفق إحصائية لمكتب الصحة اطلع عليها “صوت المهمشين”.
الوباء يفتك بالمهمشين
انتشر وباء حمى الضنك بشكل كبير في أوساط المهمشين الذين يصارعون مضاعفاته في المخيمات والأكواخ البسيطة التي يعيشون فيها، حيث لا تتوفر فيها أدنى المقومات الوقائية والبيئية والصحية للانتصار على هذا الوباء وصد سيول حشرات البعوض التي تهاجمهم ليلاً ونهارًا والناقلة للعدوى.
تقول السيدة الأربعينية مريم سعيد، وهي تعيش في أحد تجمعات المهمشين في المدينة، إن الوباء هاجم أسرتها، منذ أسبوع وفتك بوالدتها المسنة القابعة في كوخٍ من الصفيح تصارع المرض ومضاعفات حمّى الضنك، وكذلك ابنتها الشابة تصارع الوباء منذ أيام.
وتضيف: “والدتي مصابة بحُمّى الضنك، وهي متعبة جدًا، وتعاني حاليا من مضاعفات المرض. ترتفع حرارتها بشكل كبير خصوصا في الليل، وكذلك تشعر بتكسّر في جسدها وصداع وآلام في المفاصل”.
وتتابع في حديثها لـ”صوت المهمشين”: “لم أستطع أن اشتري العلاج لوالدتي أو إسعافها إلى المستشفى. أتالمُ كثيرا وأنا أراها تتعرق وتتألم بشدة من المرض الذي ينهك جسدها، خصوصا أن ابنتي أيضًا مصابة بالوباء، وقد ذهبتْ صباحا تبحث عن علاج في أي مركز صحي قريب بالمدينة، ولم نستطع أيضا توفير الأدوية لها”.
الفريسة السهلة
وجد المهمشون أنفسهم فريسة سهلة لوباء حمّى الضنك الذي يرمي بشباكه على المجمعات البسيطة التي يعيشون فيها، وهي تفتقر لأبسط الإمكانات والتحصينات والوسائل الوقائية لهذا الوباء، عوضًا عن أنها من ضمن البؤر الرئيسية لحشرة البعوض الناقلة لعدوى الوباء، كما يقول نائب مدير التثقيف والإعلام الصحي بمكتب الصحة، تيسير السامعي.
ويضيف السامعي لـ”صوت المهمشين” أن الوباء مستوطن في مدينة تعز ويأتي كل عام، لكن هذا المرة كانت حدته أقوى من أي وقت مضى، خصوصا في الثلاثة الأشهر الأخيرة مع تزايد هطول الأمطار التي تساعد في انتشار البعوض الناقل لعدوى الوباء وانتشاره بكثافة، لا سيما في تجمعات المهمّشين باعتبارها مكشوفة وتحيط بها مستنقعات مائية ناتجة عن مياه الأمطار.
ويشير السامعي إلى أن التخزين السيّئ لمياه الشرب هو أحد الأسباب الكبيرة لانتشار البعوض، وكذلك الأواني وأوعية الطبخ والأكل المكشوفة، موضحًا أن الأسر المهمشة تواجه مشاكل في استخدام مياه الشرب وتغطيتها جيدًا، ويخزّنون المياه في أوعية مكشوفة، وبالتالي تشكل قنوات لانتشار البعوض الذي ينقل لهم العدوى.
ويلفت السامعي إلى أن مكتب الصحة يعمل هذا العام بإمكانات محدودة وليست كافية للسيطرة على الوباء ويفتقر لكثير من الدعم، للقيام بحملات الرشّ الضبابية لمكافحة البعوض والعمل على التخلّص من بؤر تواجده وتجفيف منابعه، إضافةً إلى دعم المراكز والمستشفيات بالأدوية اللازمة.
وبحسب السامعي، سجّل مكتب الصحة بتعز في الثلاثة الأشهر الماضية وحتى الآن أكثر مِن 10 آلاف حالة إصابة ونحو 13 حالة وفاة، وفي أكتوبر الجاري فقط سجل المكتب ما يقارب 3 آلاف حالة إصابة، ويشير السامعي إلى أن هناك في الواقع ضعف هذا العدد من حالات الإصابة والوفيات في المنازل ممن لا يزورون المراكز الصحية والمستشفيات.
انعدام وسائل الحماية
تعاني الأسرة المهمشة التي تعيش في تجمعات متفرّفة بمركز مدينة تعز وأطرافها وأريافها من وسائل الحماية والوقاية من لدغات البعوض، تلك الحشرة الناقلة لعدوى وباء حمّى الضنك، ويقول محمد عبده الذي يعيش في مجمع الحُمرة بمركز المدينة: “إن جميع الأسر لا تمتلك أدوات الحماية من ناموسيات وهي شبكات طبية تحصّن الأفراد من لدغات البعوض أثناء النوم”، ويضيف: “لم تعمل أي جهة كانت حكومية أو خاصة على دعمهم بالناموسيات أو حتى بالأدوية اللازمة للمصابين بحمى الضنك، ليتمكنوا من مقاومة أعراضه الفتاكة”، ويشير إلى أن كثيرا مِن الأسر في المجمع مصابة بالوباء وتصارع مضاعفاته بمفردها في الخيام والأكواخ.
ويوضح عبده في حديثه لــ”صوت المهمشين” أن الجماعات التي تعش فيها بحاجة إلى مكافحة البعوض وتنفيذ حملات رشّ ودعم الأسر بالأدوات ووسائل مكافحته للحد من انتشاره، ويشير إلى أن فرق مكتب الصحة التي تقوم بالرش الضبابي في أحياء المدينة لمكافحة البعوض، مرّت على المجمع الذي يعيش فيه مرة واحدة إسقاطا للواجب، ولم تعمل على رش جميع الأماكن فيه أو تكرار النزول أيضًا.
( أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة “lnternews” ضمن مشروع “Rooted in trust” في اليمن)