“كنتُ بحاجة إلى الجواز بشكل عاجل. زوجي في عمان صار يحتاجني بعد تعرّضه لحادث مروري. اشترطت مصلحة الجوازات إذنه الخطّي، ولم تكتفِ باتصاله”، قالتها هدى عبد الله، أم لطفلتين من محافظة إب، وأضافت أنها واجهت تعقيدات كثيرة لتتمكن من السفر برفقة طفلتيها، وقد استخرجت الجواز بمبلغ يتجاوز الـ300 ألف ريال يمني عبر ما يُسمى “السوق السوداء”، ولكن ليست هدى وحدها من لجأت إلى طُرق غير قانونية لاستخراج الجواز بسبب تعقيدات الجهات الرسمية، بل أكثر من 20 ألف امرأة يمنية.
قصص من الواقع
سميحة شكيب من محافظة الضالع، وهي طالبة في جامعة تعز، ومن الأوائل في جامعتها، ورغبت في التقديم لبرنامج التبادل الثقافي التي تقدّمه جامعة تعز كل عام تقريبا. لم تتمكن من السفر لأنها، على حد قولها، لم تُحضر إذن ولي أمرها. تقول سميحة: “لديّ والد أُميٌّ مسنّ، وأخ في السعودية منقطع عنّا تماما، ولم أجد رجلًا في العائلة يصلح أن يكون وليّ أمر، وحينما أخبرني عسكري يقف في البوابة باستحالة استخراج الجواز، أصابني الإحباط. سافرت زميلات أقل مني استحقاقا إلى القاهرة، بينما كان حُلمي أن أرفع اسم جامعتي عاليا هناك”.
في موقفٍ مشابه، كانت رويدا إسحاق (ماجستير إدارة أعمال من إب) طامحة في الحصول على المنح التركية، وقد فازت بها فعلا، لكن الجهة المانحة اشترطت الجواز وثيقةً رسميةً لاستكمال التسجيل، وكانت عائلتها في الولايات المتحدة الأمريكية منقطعة عن التواصل بها مع أختها ووالدتها. تقول رويدا: “أحضرتُ معي إذن والدتي باعتبارها سيدة معروفة ومتعلمة، وهي طبيبة نساء وولادة، ولها شأنها في المجتمع، لكن موظفا في مصلحة الجوازات بِعَدن ضحك من ذلك، وجمعَ زملاءه ليبدوا استمتاعهم وكأنه لا قَدْر للمرأة، ثم أخبروني بأن المطلوب إذن (ولي الأمر)، لا (ولية الأمر)”.
تبريرات ومؤيدون
تُعلل مصلحة الجوازات اشتراطها لإذن ولي الأمر بأنه إجراء يخليها من طائلة الاستجوابات المحتملة والمسؤولية، وتسرد حوادث هروبٍ لنساء من عائلاتهن نحو الخارج بسبب العنف أو طلبا للجوء أو للدراسة ونحوها.
يؤيد أولياء أمور كثر هذا الشرط، منهم عبد الرحيم عبد الله من محافظة صنعاء ويقول: “بهذا الشرط نحن نطمئن على بناتنا أكثر، ونشعر بأنهن لن يتمكنّ من الحركة من دون اطلاعنا وإذننا”.
محمد عبد الحميد من محافظة تعز يقول: “ليس اشتراط الإذن من وليّ الأمر لانعدام الثقة بتربيتنا كما يروج البعض، لكن قد تقع الفتاة في فخّ أو وعود زائفة، والسفر لا يجوز شرعا إلا بمحرم، فكيف ستسافر ابنتي أو أختي وحدها؟! وكما أسلفتُ ليس في الأمر وصاية، بل هي حماية”.
سيدة الوكيل من محافظة الحديدة تقول: “إن فتيات كثر لا يستقمن إلا بالقمع، والتي تثق بعائلتها وتستطيع إقناعهم بوجهة نظرها ستتمكن من الحصول على إذنهم ودعمهم، ولن يرفضوا البتة استخراج جواز سفر لها”.
استغلال على هامش الوصاية
“عُقّال الحارات والمرافق الرسمية مستفيدون من ذلك الشرط، فمثلًا في أثناء استخراج جواز ابنة أخي، ذهبتُ إلى عاقل الحارة، فطلب مني مبلغ 6 آلاف ريال (10$ في صنعاء) تكاليف نقل الورقة وإلحاقها إلى عدن. كلفتني ضعف مبلغ التوقيع، هذا غير الوقت والجهد الذي ذهب سدى”، يقول مالك أحمد إسحاق من محافظة صنعاء لصوت المهمشين.
وقد ظهرت جماعات غير قانونية تزوّر أذونات بأختام وهمية تقدّمها لبعض الفتيات، مقابل مبالغ من المال تصل إلى 30 ألف ريال (50$ في صنعاء)، وكانت آمال علي إحدى المتعاملات معها بحكم الحاجة، بحسب قولها لمراسلتنا.
آمال علي (اسم مستعار بحسب طلبها) شابة عشرينية مقيمة في عدن، وقد احتاجت إلى السفر إلى القاهرة لغرض العلاج. زوج آمال يدرس في جمهورية الهند، وأهلها في صنعاء لا يسمحون لها بالسفر وحدها. تقول آمال: “تكاليف المحرم بالنسبة لي باهظة ومصاريف إضافية، ومحارمي يستغلون حاجتي لذلك ويكلفونني بما لا أستطيع. زوجي يسمح لي بالسفر وحدي، ولي صديقات في القاهرة لاستقبالي، فضلًا عن أني خريجة جامعية أستطيع تدبر أمري من دون محرم”، وانطلاقًا من جملة المعطيات التي سردتها آمال، لجأت إلى تزوير إذن ولي أمرها، والسفر لمدة شهر بسلام.
حملة نسوية في تعز تحت شعار “جوازي بلا وصاية”
أطلقت هذه الحملة الأستاذة في قسم علم الاجتماع بجامعة تعز الدكتورة ألفت الدُّبَعي، ونظمت لأجلها وقفة احتجاجية أمام مبنى مصلحة الجوازات والجنسية بمحافظة تعز صباح الثلاثاء الموافق لليوم الأول من فبراير 2022 مع مجموعة من النساء اليمنيات.
وقد كتبت الدُّبَعي في صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك): “مرّ علينا الاحتفال بالعيد الثامن والخمسين من ثورة 26 سبتمبر، وقريبا نحتفل بالعيد العاشر لثورة 11 فبراير، وسيمرّ العام التاسع لانعقاد مؤتمر الحوار الوطني الذي أقر المساواة في حقوق المواطنة، وما زالت المرأة اليمنية غير قادرة على استخراج جواز سفر لها دون إذن وليها، ومواطنة غير كاملة الأهلية”.
وأضافت دعوتها للحملة بقولها: “على جميع الشبكات النسوية أن تضغط باتجاه استخراج تعميم من رئيس الوزراء ووزير الداخلية إلى مصلحة الجوازات في عموم اليمن بضرورة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني والتعاطي مع المرأة التي بلغت السن القانونية بوصفها مواطنة، ولها الحق في الحصول على جواز سفر مثلها مثل الرجل، خصوصا أنه لا يوجد أي نص قانوني صريح في القانون اليمني الحالي يمنع المرأة من الحصول على جواز سفر إلا بإذن ولي أمرها. فهذا الإجراء هو إجراء عُرفي تستخدمه وزراء الداخلية، وينبغي أن ينتهي لصالح قيم المواطنة.
كما دعت ألفت المنظمات النسائية والحقوقية العاملة في مجال الحماية القانونية أن تعلن عن استعدادها لرفع قضايا قانونية أمام القضاء تجاه كل من يقف أمام حصول أي امرأة يمنية على جواز سفر باعتبارها مواطنة كاملة الأهلية.
“من حق المرأة أن تحصل على جوازها، وهذا حق قانوني، وليس منة من أحد”
قال مدير عام مكتب مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة في تعز العقيد موسى عبد العزيز شدّاد: “من حق المرأة أن تحصل على جوازها، وهذا حق قانوني، وليس منّة من أحد، هذه النظرة يجب أن تتغيّر في نطاق الأسرة والمجتمع والواجب النظرة إليها أنها نصف المجتمع”.
وأضاف شدّاد: “النساء تحصل على الجوازات بحسب القانون، وما يحصل من استثناء في حالات ليست الأصل، ولا يمكن النظرة إليهن نظرة سلبية ومقيتة. من حق المرأة أن تحصل على جواز سفرها وبدون وصاية”.
كما أكد أن الحصول على جواز السفر للمرأة حق مكفول في كل القوانين الوطنية والتشريعات الدولية، ولم يكن ذات يوم مشروطا بإذن أحد، وأشار العقيد شدّاد: “ما دامت اليمن عضوا في المجتمع الدولي ومن الدول المصادقة على المواثيق والمعاهدات الدولية، فمن حقنا، ضباطًا منتسبين لوزارة الداخلية أولا ومواطنين ثانيا، أن نمكّن المرأة من حقها القانوني. وفي الأخير يجب على المنظمات العاملة في مجال الحقوق رفع التوعية، لتشمل توعية الآباء والمدرسين والعاملين الاجتماعيين وضباط الشرطة، وذلك من أجل القضاء على الأفكار المتطرفة والمفاهيم الخاطئة”.
وعقّب المحامي ياسر المليكي قائلا: “في قانون الجوازات رقم 7 لسنة 1990، والقانون رقم 2 لسنة 1994 بشأن لائحة الجوازات، أعطى كلا القانونين للمرأة الحق في استخراج جواز سفر من دون اشتراطات موافقة ولي الأمر، مثلها مثل الرجل. فلا تربطوها بالدين والعرف، لأنّ من وضع الدستور اليمني قبل 33 سنة علماء دين وقانون”.