ندرة العسل اليمني… الدوعني ودم الأخوين أنموذجا

مع استمرار الحرب في اليمن ومواجهة اليمنيين لكثير من التحديات، يظلّ العمل في مجال العسل منارة للأمل، وهي شهادة على صمود اليمنيين وتصميمهم على الحياة، ففي السنوات الأخيرة، ازداد العمل في مجال العسل، ويُعد العسل الدوعني وعسل دم الأخوين مثالين رئيسيين على تربية النحل المزدهرة في البلاد، وقد اكتسبا شهرة كبيرة لما يتمتعان به من مذاق وجودة متميزين، واعتبرهما كثير من أفضل أنواع العسل في العالم.

يأتي العسل الدوعني من منطقة دوعن التي تقع في محافظة حضرموت. يشتهر هذا العسل بجودته العالية ونكهته الفريدة والمتميزة ويُجمع من نبات السدر في الجبال والوديان المجاورة لمنطقة دوعن. يتميز هذا العسل بلونه الداكن وقوامه الكثيف، ويراه كثير من الناس شفاء لكثير من الأمراض.

يشتهر العسل الدوعني بجودته العالية ونكهته الفريدة والمتميزة، كما يُعدّ من أفضل أنواع العسل في اليمن والعالم، لأن النحل تجمعه من زهور السدر والأعشاب البرية الحمضية، وهو ما يمنحه خصائص فريدة من ناحية المذاق والروائح التي تشبه رائحة الزهور الشديدة العطرية، بالإضافة إلى قيمته الغذائية العالية.

يعتبر عسل دوعن مغذيًا بشكل خاص للجسم ويعزز الجهاز المناعي، ويستخدم في الطب البديل والتداوي بالأعشاب في اليمن، وتتخذ منه المشروبات، ويستخدم مصدرا للراحة والاسترخاء، وهذا ما جعله يحظى بشهرة واسعة.

أما عسل “دم الأخوين” فأحمر اللون، ولا يوجد إلا في جزيرة سقطرى في اليمن، ويعدّ من أغلى وأندر أنواع العسل في العالم. وبحسب أبحاث علمية حديثة، يُرى أنه العسل الأفخر والأغلى، ويصل سعر الكيلوجرام منه إلى 180 دولارًا.

في هذا الشأن، تقول الباحثة الفرنسية كاميليا سيرجان المتخصصة في العلوم النباتية، وهي وتعيش في سقطرى مع زوجها منذ عام 2002م إن العسل السقطري يتميز بطعمه القوي ورائحته النفاذة، وذلك في تصريح سابق لصحيفة الأيام في عدن. وتذكر سيرجان أيضا أن التنوع الحيوي للجزيرة يفوق 850 نوعًا، ومنها أشجار العنبر إلى التين البري إلى العُنّاب وأنواع نباتية أخرى، وفيها نباتات نادرة تحتاج إلى قرون لكي تنمو، ومثل هذه الشجيرات يتغذى عليها النحل السقطري.

بعد تحليل عسل دم الأخوين تبين أن به جميع العناصر الضرورية للحياة، خصوصا أنه غني بفيتامين ب المركب، والمعادن والهرمونات والسكريات والدهون بالإضافة لوجود 3% من المواد غير المعروفة وغير القابلة للتحليل؛ لذا أطلق عليه كثير من الباحثين “المكونات السحرية للعسل”، وهي تعطي العسل خصائصه وقوته، وجميع هذه المكونات توجد بشكل مركز في عسل دم الأخوين.

وفقًا للتقارير المحلية، تعود تربية النحل في اليمن إلى قرون مضت، وكان المزارعون والرعاة يربّون النحل للاستهلاك الشخصي. ومع الطلب المتزايد على العسل ومنتجات النحل الأخرى، مثل شمع العسل وغذاء ملكات النحل، بدأ أولئك اليمنيون باعتبار تربية النحل مشروعًا تجاريًا.

على الرغم من الصراع المستمر والحرب الدائرة، ظل النحّالون اليمنيون صامدين، واستمروا في تربية النحل ومواجهة الشدائد. وبمساعدة منظمات المعونة المحلية والدولية، تمكن النحّالون اليمنيون من توسيع عملهم، وتوفير الفوائد الاقتصادية والاجتماعية لمجتمعاتهم.

ومن أولئك النحالين عبد الجبار الغولي، وقد احتفل في صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي في العشرين من مايو الجاري بمناسبة يوم النحل العالمي الذي أقرته الأمم المتحدة. جمع الغولي النحل حول رأسه وصدره، 15 ألف نحلة اجتمعت عليه في مظهر عجيب، بما يؤكد العلاقة الوثيقة بين الإنسان والنحل، ويقول الغولي: “هذا هو النحل اليمني المنتج لأجود أنواع العسل في العالم، يحبنا ونحبه”. وقد تناولت وسائل الإعلام هذه الصور باحتفاء يليق بها، وعبّر الغولي حينها في مواقع التواصل الاجتماعي وفي مقابلاته عن اعتزازه الكبير بهذه المهنة التي تعد أحد أهم روافد الاقتصاد اليمني.

وأضاف الغولي قائلا: “معظم الإشاعات التي تدور حول ضعف جودة العسل اليمني، والغش فيه، مبالغ فيها”، موضحًا أن المهنة شاقة وتمر بمراحل كثيرة حتى يصل النحال إلى العسل الصافي المستخلص من خلايا النحل.

ومن تبعات للصراع الدائر في البلاد تأثّر صادرات اليمن عموما، ومنها العسل الذي يُعدّ من ركائز الاقتصاد، فقد كانت الصادرات تصل إلى 500 ألف طن حتى عام 2015، لكن نسبة الصادرات تراجعت إلى النصف حاليا بسبب الصراع والتغيرات المناخية، مع ذلك يصنف العسل اليمني واحدا من أغلى العسل في العالم.

وقد صنّفت الحكومة اليمنية العسل عام 2003 أحد أهم السلع الاستراتيجية لأهميتها في دعم الاقتصاد اليمني، وفعليًا تعتمد قرابة 100 ألف أسرة على تربية النحل مصدرا وحيدا للكسب، كما تشير التقديرات البحثية إلى وجود أكثر من 90 ألف نحال في اليمن، وفقًا للأمم المتحدة.

وبصرف النظر عن الأهمية الاقتصادية للنحل وللعسل الناتج عنه، أصبح عسل دوعن وعسل دم الأخوين أيضًا رمزين للثقافة والتقاليد اليمنية، ويتطلب إنتاجهما معرفة ومهارة معقدتين، وتتضمن عملية الإنتاج طرقًا تقليدية، مثل استخدام خلايا النحل المصنوعة يدويًا وتجنب استخدام المبيدات الحشرية والمواد الكيميائية، مما ينتج عنه منتجا نقيا عالي الجودة.

المقالة التالية
ما الفرق بين الحميات الفيروسية وحمى كورونا؟
المقالة السابقة
العسل اليمني.. منتج وطني يفتقر إلى الاهتمام الكافي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed

مقالات مشابهة :

الأكثر قراءه

━━━━━━━━━

كتابات

━━━━━━━━━