القات يغتال صحة الأطفال الجسدية والنفسية

يتناول المواطن خالد نعمان (53 عامًا) القات منذ سنوات طويلة، من مرحلة الشباب تحديدا، ويقول إن القات له ارتباط متين بحياته، وهو جزء من الروتين اليومي، وقد اعتاد على مضغه بعد فترة الظهيرة حتى المساء كل يوم، ويضيف لصوت المهمشين أنه يجد صعوبة في الإقلاع عنه، وأن تناول أبنائه للقات لا يروق له، ويقول: “لا أحب أن يعتاد أبنائي على تناول القات؛ لأنهم سيتورطون في الإدمان عليه كما حصل معي، وأحاول دوما إقناعهم بالابتعاد عنه”.

ويعرب نعمان عن أسفه بخصوص أن ابنه الأصغر بات يتناول القليل من نبته القات، إما من أصدقائه، وإما من إخوانه خفيةً عنه، وأنه لا توجد رقابة حكومية واجتماعية للحد من انتشار القات بين الأطفال، مشيرًا إلى أن تناول ابنه للقات يسبّب له مشاكل وآلاما في المعدة واللثة، ويستطرد: “أتابعه باستمرار وعن قرب لأمنعه من تناول القات كي لا يدمن عليه”.

ظاهرة

اعتاد اليمنيون على تناول نبتة القات في حياتهم اليومية وفي الأفراح والمناسبات الاجتماعية، وارتبطت بهم النبتة بشكلٍ وثيق حتى أصبحت عادةً لا تفارقهم ولا يستطيعون فُراقها، وللقات طقوس خاصة أثناء تناوله في مجالس تُعرف بـ”المقايل” (مفردها مَقيل). ويداوم جزء كبير من اليمنيين على تناول القات رغم الآثار الصحية والنفسية على حياتهم، ولا يقتصر مضغ تلك النبتة على الكبار من الرجال والنساء، بل قد يمتدّ تباعًا إلى الأطفال، الأمر الذي يلحق بهم أضرارًا أكثر تأثيرًا على صحتهم الجسدية والنفسية والعقلية.

ووفقًا للموقع لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا “إسكوا”، تحتوي نبتة القات على مادة “مينوامين”، وهي شبيهه بمادة “الأمفيتامين”، وهو منشط يسبب فقدان الشهية وحالة النشاط الزائد، وقد صنّفته منظمة الصحة العالمية عقارا ضارا من الممكن أن يسبب الإدمان بشكل خفيف ومتوسط.

وبحسب دراسة نشرت في 2019 بموقع “سوق اليمن الزراعي البيطري” لخبير مجال المياه والبيئة لدى الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي الحكومية الدكتور أمين راجح، وصل عدد أشجار القات المزروعة في اليمن قرابة 350 مليون شجرة في مساحات مزروعة واسعة تجاوزت 167 ألف هكتار.

مشاكل صحية

يؤدي تناول الأطفال للقات والاعتياد على مضغه بشكل يومي أو شبه يومي إلى حدوث مشاكل صحية جسدية تؤثر على أجهزة الجسم ووظائفه، ابتداءً من الجهاز العصبي والدماغ في ثلاثة مراحل يفصلها الطبيب العام في مدينة تعز، الدكتور راكان العَزعَزي.

يقول العَزعَزي: “يسبب القات عند تناوله في البداية نشوة بسيطة لدى الطفل تدفعه لتناول المزيد والاستمتاع بمضغه، ثم بعد ساعة ينتقل إلى مرحلة الشعور بالقلق والتوتر والعصبية، وصولاً إلى مرحلة الشعور بالاكتئاب والشتات وعوامل نفسية قد تدفعه لتصرفات غير سليمة”، ويضيف في حديثه لصوت المهمشين أن تأثيرات القات على الدماغ تختلف بحسب نوعيته وتركيزه، فهناك أنواع من القات تجعل الطفل يشعر بالهلوسة أو بالحديث بدون وعي، كما أنه في كل الأحوال يؤدّي إلى الإصابة بالأرق. ويلفت الدكتور إلى أن الطفل يبقى لساعات طويلة يحاول النوم في الليل، فتتضاءل ساعات النوم لديه بشكل يؤثر على سلامة صحته العامة وطبيعة عمل وظائف الجسم؛ لأن الأطفال عمومًا بحاجة إلى ساعات نوم جيدة يحصل بها الجسم على الراحة.

ضعف النمو

وتتسع دائرة المشاكل الصحية التي تنتج عن تناول القات، شاملةً أجهزة حيوية ومهمة في جسم الطفل والإنسان عمومًا، تتحكم بطبيعة عمل تلك الأجهزة ووظائفها، ويرتفع مستوى هذه التأثيرات الصحية بالنسبة للأطفال؛ لأنهم ما يزالون في مراحل النمو.

ويوضح العزعزي في هذا الخصوص أن القات يؤثر على الجهاز الهضمي بشكل كبير؛ إذ يسبب انعدام للشهية لدى الأطفال مما يؤدي إلى تراجع مستوى النمو لديهم، ويكون نمو عظام الجسم بطيئا للغاية؛ لأن الطفل المتعاطي للقات يعزف عن تناول الأطعمة المفيدة والتغذية الجيدة.

ويضيف أن هناك أيضًا مشاكل صحية تصيب الجهاز الهضمي بسبب تناول القات، وذلك بشعور الطفل بآلام تتفاوت حدّتها في المعدة، إضافةً إلى الإصابة بالتهابات في المسالك البولية والمثانة، قد تؤدي مستقبلاً للإصابة بالالتهابات البروستات، لأن القات ملوث بالسموم والمبيدات.

وبحسب الطبيب العزعزي، يؤثر القات سلبًا على وظائف الكبد؛ لأنه أول من يمتص السموم، بالإضافة إلى إلحاق الضرر بالقلب والأوعية؛ لأنه يعمل على ارتفاع مستوى الضغط وتسارع نبضات القلب نتيجة النشاط اللحظي الزائد الذي يسببه القات.

تضرر اللثة والأسنان

على نحوٍ مختلف، نجحت المواطنة ندى محمد من مدينة تعز في إبعاد ابنها الوحيد عن تناول القات، وتقول إنها ترشده إلى عدم تناول القات، وتوضح له المخاطر الصحية المترتبة عنه، وبأنه سيؤثر على مستقبله بشكل سلبي. وتضيف لصوت المهمشين: “الأبناء يحتاجون أن يكون أهاليهم قريبين من حياتهم، وأن يعملوا على توجيههم إلى مصلحتهم، وسوف يتمكنون من إبعادهم عن القات”، مشيرةً إلى أنها تتابع وتهتم بأصدقاء ابنها، وحرصت على أن يكونوا ممن لا يتعاطون القات حتى لا يكون ابنها عرضه لتناوله.

يتناول المخزِّن عشبة القات في أحد شقي فمه، ويستمر في مضغه لساعات طويلة قد تتجاوز ست ساعات، ما يسبب مشاكل وأمراض في اللثة والأسنان، نظرًا للسموم والمبيدات التي يضعها المزارعون على شجرة القات بغية التعجيل في نموه.

وفي هذا الصعيد، يقول طبيب الأسنان واللثة في إحدى المراكز الطبية بمدينة تعز الدكتور أشرف العبسي: “إن مضغ القات يؤثر على اللثة وتجويف الفم ويتسبب بالتهابات شديدة نتيجة للسموم على شجرة القات”، ويضيف أن القات يؤدي إلى تدمير اللثة، خصوصًا لدى الأطفال، وإلى ظهور فجوات بين الأسنان نتيجة تأكل اللثة مع الوقت، إضافةً إلى تسوس الأسنان، مشيرًا إلى أن الالتهابات المزمنة في اللثة بسبب مضغ القات قد تؤدي إلى الإصابة بسرطان اللثة كما ذكرت الدراسات العلمية.

وتعود أسباب تناول الأطفال للقات إلى عوامل متعددة، تتمثل في طبيعة البيئة الاجتماعية والأسرية، وثقافة المجتمع اليمني الذي تتأصل فيها عادة مضغ القات في الحياة اليومية لدى معظم اليمنيين؛ إذ يكاد لا يخلو بيت من وجود متعاطين لنبتة القات، وهذا يخلق رغبة لدى الطفل في محاكاة أو اتباع سلوك والده أو شقيقه أو أي فرد من أسرته، ويبدأ تدريجيًا في تعاطي القات الذي يكون في متناول يديه أساسًا بأي وقت، من دون وجود ما يعيق الحصول عليه.

يسلب حياة الطفل

يقضي متعاطي القات عمومًا أوقاتًا طويلة في التخزين في مقايل تجمع عددا من الأفراد المخزنين غالبًا، ما يجعل الطفل يبتعد عن ممارسة الأنشطة الحياتية الطبيعية بالنسبة لأي طفل، وهنا، تقترح الاختصاصية النفسية، مروى العواضي، عدة طرق تساعد الأطفال على الابتعاد عن القات الذي تقول: “إنه يجعل الأطفال يعزفون عن الأنشطة الحيوية والمفيدة، مثل ممارسة الرياضة والألعاب الترفيهية والأندية والفنون، وتجعلهم يرتبطون بالمقايل مع الكبار، ويقضون فيها أوقاتا طويلة في اليوم الواحد، وهذا يؤثر عليهم، لذلك من الضروري الإقلاع عن تناوله بالعودة لهذه الأنشطة”، وترى أن اعتياد الأطفال وإدمانهم على تناول القات وتعاطيه يوميًا يدفعهم إلى تبني عادات غير صحية، كالتدخين أو تناول المشروبات الغازية أثناء التخزين بالقات، فيعملون على الإضرار بصحتهم الجسدية التي تؤثر بدورها على الصحة النفسية.

تقلبات نفسية

تشرح العواضي في حديثها لصوت المهمشين عن تأثيرات القات على الصحة النفسية لدى الأطفال قائلة: “إن قدرات الطفل العقلية تتضاءل عند إدمانه على القات نتيجة انخفاض مستوى التركيز وزيادة حالة التشتت والشرود والنسيان، على عكس ما يظنه بعض الآباء بأن القات يزيد من تركيز الطفل ذهنيًا”، وتشير إلى أن التركيز يحصل بشكل مؤقت أثناء مضغ القات فقط بسبب النشاط الزائد الذي يسببه، لكن سرعان ما يتلاشى ذلك، ويتناسى الطفل ما سبق، ويعود إلى طبيعته، غير أن تركيزه في الوضع العادي خارج أوقات التخزين يبدأ في الانخفاض نتيجة الإدمان على تعاطي القات؛ لأنه يؤثر على الذهن والذاكرة.

وتقول العواضي إن الطفل يشعر بالشرود والتقلبات النفسية والعقلية عند تناول القات، بشكل ينعكس سلبًا على صحته النفسية بالشعور بالتوتر والقلق والاكتئاب والضيق، وهذه الظروف تولد تصرفات وسلوكيات ليست سلمية لدى الأطفال مع أنفسهم ومع أسرهم ومن حولهم، فيكون عصبيا وسريع الاندفاع والغضب.

وتلفت إلى أن خيال الطفل يكون جامحا عند مضغ القات ويولد لديه الشعور بالعظمة والسيطرة وبساطة الأمور وحل المشكلات، لكن بمجرد الانتهاء من القات يتغير ذلك الجو، ويتحول إلى إحباط وكآبة تلعب في العوامل النفسية وتلخبط المشاعر والأحاسيس لديه.

المقالة التالية
كيف دفع المهمشون تبعات المعلومات المضللة؟
المقالة السابقة
الأثر الخطير للمبيدات الزراعية على تربية النحل باليمن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed

مقالات مشابهة :

الأكثر قراءه

━━━━━━━━━

كتابات

━━━━━━━━━