الأثر الخطير للمبيدات الزراعية على تربية النحل باليمن

يواجه النحّالون في اليمن عددا من المشاكل في مجال عملهم، وأبرزها الرشّ غير المنضبط للمبيدات الزراعية، وقلّة تنوع وكثافة المراعي، وعدم توفر ظروف بيئية ومناخية مناسبة، وتقصير الجهات الرسمية في دعم تربية النحل.

حفظ الله راشد (46 عاماً)، من أبناء مديرية خَولان بمحافظة صنعاء، يعتني بما تبقى لديه من خلايا النحل التي يملكها، وقد اضطر إلى نقلها مرّات عدّة من أماكنها بسبب المبيدات التي تُرش بها المحاصيل الزراعية في منطقته. وقد نفق عليه أكثر من 9 خلايا جراء رشّ المبيدات الزراعية، ويضع حفظ الله حاليا دِلاء من الماء أمام خلايا النحل، في محاولة لحماية ما تبقى لديه من درجات الحرارة المرتفعة التي قد تسبب لها الموت.

يقول حفظ الله: “قبل نحو شهرين تقريباً، رشَّ المزارعون أشجار القات واللوز بشكل كبير بمبيدات عالية السُمّية لكي يكافحوا الحشرات، مما أدى إلى موت 9 خلايا نحل في يومين متتاليين”.

يقول سلطان ظافر (65 عاماً): “تخلّى كثير من النحّالين عن مهنتهم بعد موت جميع خلايا النحل التي يملكونها. أنا ماتت لدي العام الماضي 16 خلية نحل، ولم يتبقَ منها إلا الصناديق الخشبية الفارغة كما ترى”.

خسائر فادحة

في الفترة من عام 2015م حتى 2021م، تسبّبت ظاهرة رش المبيدات الزراعية بموت 105 آلاف خلية نحل في 6 محافظات، هي صنعاء وذمار والحديدة وحجّة وعمران وصعدة، وفق تأكيد هلال محمد الجشاري مدير إدارة وقاية النبات بوزارة الزراعة في حكومة صنعاء، وفق تصريحات صحفية سابقة.

وأشار تقرير بعنوان “التأثيرات المحتملة لكوفيد_19 على سلاسل إنتاج العسل” صدر عن الأمم المتحدة في أغسطس من عام 2020م إلى تناقص عدد خلايا إنتاج النحل من مليون و 322 ألف خلية في عام 2014م إلى مليون و 197 ألف خلية في عام 2018م، يمتلكها 100,000 نحّال يمني يعتمدون عليها في معيشتهم.

يقول المهندس محمد الحَكَمي عضو مجلس إدارة الرابطة التعاونية للنحّالين اليمنيين: “قتلت المبيدات الزراعية 15 ألف خلية نحل في محافظة ذمار في أبريل من عام 2020م، وفي عام 2021م نفقت 942 خلية جراء رش المبيدات في مديريات صوير والعُصَيمات والسوادية بمحافظة عمران.

فيما نفقت بين يوليو وأكتوبر من عام 2021م 1200 خلية في مناطق حَرَض ومِيدي ووادي حَيْران ومُستَبأ وكُحْلان عَفّار في محافظة حجّة، وكل ذلك بسبب الاستخدام العشوائي للمبيدات.

وقد أثر نفوق النحل على إنتاج العسل؛ إذ انخفض من 2381 طنا في عام 2018م إلى 1580 طنا في عام 2020م، بحسب كتاب “الإحصاء الزراعي” الصادر عن وزارة الزراعة في حكومة صنعاء.

المزارعون متضررون أيضا

إن الضرر الناتج عن رش المبيدات الزراعية يختلف باختلاف أوقات الرش بحسب ما يراه مربي النحل عبد الله جُزيلان (35 عاماً)، ويقول شارحا: “عندما تُرش المبيدات في الصباح الباكر، يكون الضرر أكبر؛ لأنه وقت انتشار النحل في الحقول وبين الأشجار، وهذا أيضاً يضر بشكل مباشر محصول المزارع، فالمبيد يتسبب بموت النحلة التي تقوم بنقل غبار الطلع من زهرة إلى أخرى، وتقوم بتلقيح المحصول بشكل مجاني”، ويوصي المربي جزيلان بتأجيل عملية رش المبيدات إلى أوقات المساء؛ لأن النحل يكون قد عاد إلى خلاياه، وتخفّ فعالية المبيد حتى صباح اليوم التالي.

مدير عام جمعية عظية التعاونية الزراعية المهندس حزام العذري يقول: “إن معاناة النحّالين جراء رش المبيدات تتكرر كل عام في مختلف مديريات خولان، حيث تموت مئات الخلايا سنوياً”، وينوّه العذري إلى خطورة انتقال السمّ في حال عدم موت النحلة إلى داخل الخلية، مما يؤدي إلى موت الحواضن وإمكانية موت الملكة، بالإضافة إلى إمكانية تلوث العسل بالسم.

من جانبه يقول المهندس والمرشد الزراعي علي مُحْرِز مهندس في إدارة وقاية النبات بوزارة الزراعة والري: “إن هذه الحشرة النافعة تتعرض لكثير من المشاكل مثل الأمراض والآفات مثل تكلّس وتعفّن الحضنة ومشكلة التسمّم بالمبيدات، وتكاد المبيدات تشكل الخطر الأساسي، خصوصاً عند استخدامها بصورة غير صحيحة”.

ويضيف مُحْرِز: “موت النحل ينعكس سلباً على النحّال من جهة وعلى المزارع والبيئة من جهة أخرى؛ إذ تنخفض إنتاجية المحاصيل التي تعتمد على التلقيح بواسطة النحل، كما تتفاقم المشكلة من الناحية البيئية بشكل عام، وذلك بسبب نقص ملقحات النباتات البرية”.

انعدام التوعية

“تقع مسؤولية هذه المشاكل على عاتق وزارة الزراعة، ومكتب الزراعة بالمحافظة، وذلك لتوعية النحّالين ودعمهم ومساعدتهم في تكوين مجموعات منظمة تعالج مشكلة نفوق خلايا النحل جراء المبيدات الحشرية”، يقول مُحْرِز، ويضيف محذرا: “هذه المبيدات ذات سُمية قوية، ويجب على أصحاب محلات بيع المبيدات أن لا يبيعوا للمزارعين مثل هذه المبيدات إلا في حالات الضرورة”، ويذكر محرز أنه “من ضمن الأسباب التي تؤدي إلى موت النحل قلة الوعي بالطرق السليمة لتربية النحل لدى أغلب النحّالين، كما أن قلة المراعي والأمطار وضيق مساحة الأراضي التي تحتوي على الأشجار، وأهمها السِّدْر والسُمَر، من ضمن الأسباب”.

حلول مقترحة

من جانبه، يقول المهندس علي القيري مدير عام مكتب الزراعة بمحافظة صنعاء: “نحن نفذنا في العام الماضي حملة لتوعية المزارعين لتخفيف الرش بالمبيدات، وإجراء الرش في المساء وبمبيدات ذات أثر ضعيف على النحل”، وأوضح: “لا يوجد حالياً برامج لدعم النحّالين؛ لأن البرامج الحالية في وزارة الزراعة تركز على دعم المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح ودعم الثروة الحيوانية بالأعلاف”.

ويوصي المهندس القيري قائلا: “يجب على النحّالين تشكيل كيان يمثلهم نقابة أو جمعية، ليصبح من الممكن إعداد إحصاءات بعدد النحالين والخلايا، وحينها يمكن وضع ميزانيات لتنفيذ برامج دعم أو مساعدة للنحالين”، ويضيف: “لا يوجد إحصاء خاص بمشاريع العسل في محافظة صنعاء؛ لأنها تنقص وتزيد في كل عام بحسب التغيرات المناخية، ومن اللازم أن يكون هناك ممثل عن النحّالين في المنطقة، كي يُطوّر به ويُدعم هذا القطاع”.

المقالة التالية
القات يغتال صحة الأطفال الجسدية والنفسية
المقالة السابقة
مخاوف المواطنين من لقاحات كوفيد-19

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed

مقالات مشابهة :

الأكثر قراءه

━━━━━━━━━

كتابات

━━━━━━━━━