رفضُ أولياءِ الأمور للقاحات قناعاتٌ بالإمكان تغييرها

“خليل هو وجعي الوحيد في هذه الدنيا، قصّرت أنا في حقة ونادم جداً، ولكنه أمر الله. الحمد لله على كل حال”، بهذه الكلمات بدأ المواطن عبد السلام مثنى من أهالي مديرية الحداء بمحافظة ذمار حديثه ووجهه ترتسم عليه علامات الندم والإحساس بالذنب.
عبد السلام لم يفكر بالعواقب عندما حرم ابنه خليلا من تلقي لقاح شلل الأطفال وغيرها من اللقاحات لأكثر من مرة، والسبب خوف ابنه من وخز الإبر ورفضه فتح فمه وصراخه عند محاولة إعطائه اللقاح، بحسب قوله.
بهذا التصرف، سُلب خليل حقّا من حقوقه، وهو أخذه للقاحات الروتينية ضمن الحملات المكثفة التي تجريها وزارة الصحة اليمنية مُنذ سنوات لمحاولة القضاء على كثير من الأمراض التي انتشرت كالحصبة والدفتيريا وشلل الأطفال الذي عاود الظهور مؤخرا بشكل لافت في كثير من المدن اليمنية.

رفض غير مبرر
من جانبه يقول الأستاذ عادل حازب مدير مدرسة عمر بن عبد العزيز في مديرية الحداء: “يرفض كثير من أولياء الأمور الموافقة على تطعيم أبنائهم لأسباب لم تُبنَ على حقائق علمية، بل بسبب الجهل وعدم إدراك أهمية اللقاح، أو بسبب شائعات تتردّد عن أمان اللقاح”، ويضيف حازب “ضعف الحملات الإعلامية التوعوية قبل البدء في حملات التطعيم واختيار متطوعين غير أكفاء بتنفيذ الحملة والأغلب أن يكون هؤلاء المتطوعون من أبناء المنطقة نفسها، كل ذلك يؤثر سلبا على تجاوب أولياء الأمور في تحصين أطفالهم”. يقول حازب أيضا: “من أسباب رفض اللقاح اختيارُ متطوّعين من نفس المنطقة، فأحيانا يكون هناك مشاكل أو ثأرات بين أسرة المتطوّع وأسرة والد الطفل، فيرفض والد الطفل تلقي اللقاح، ولسان حاله يقول: يموت ابني ولا يلقّح له فلان”.
فيما يقول خالد ضبعان وهو مواطن من أبناء المنطقة نفسها: “أنا دائماً ألقّح أطفالي، لكن في الحملة الأخيرة رفضت، جابوا واحد من عيال عمي يلقح لنا، ما يعرف يكتب اسمه، في يوم وليلة أصبح دكتور! لو تشوف كيف يده مليان وسخ وتراب، ما ترضى تأكل معه، كيف تقبل يلقح لابنك؟!”.

القناعات ليست دائماً على صواب
يقول عبد الرحمن مجلي، وهو أب لثلاثة أطفال، من أهالي مديرية بني حشيش محافظة صنعاء: “لم أكن أعرف أن للقاحات أهمية كبيرة، ولم أولِها اهتماما طوال السنوات السابقة”، ويضيف: “لم أرفض اللقاح بشكل مباشر، ولكن تساهلت في تطعيم اثنين من أبنائي الكبار، فيما ابني الأصغر اهتمّت والدته بإعطائه كل اللقاحات، وهنا لحظتُ الفرق أكثر من مرة. ابني الصغير مناعته ومقاومته للأمراض أقوى من أبنائي الكبار”. ويكمل حديثه: “قبل فترة حصلت عندنا حصبة للأطفال. أُصيب ابني الكبير رغم بنيته الجسدية الكبيرة، ولم يصب ابني الصغير بجسمه النحيل والهزيل. تغيرت قناعاتي تجاه اللقاحات، وأصبحت متأكدا أن اللقاحات مفيدة ومهمة لأي طفل”.

من جانبه يقول الدكتور أحمد العاقل اختصاصي أمراض أطفال: “يجهل كثير من أولياء الأمور أهمية اللقاحات، ويعود السبب إلى ضعف الوعي في المجتمع اليمني، ونقص وسائل التوعية وخصوصا في المجتمعات الريفية والمهمشة”. ويضيف: “عدم قدرة أولياء الأمور على استيعاب بعض الأعراض الجانبية للقاح يجعلهم يعتقدون أن اللقاح مُضرّ، لكنها طبيعية كالحمى والقيء والإسهال، ولا ينبغي القلق منها إطلاقا”. ويوضح الدكتور العاقل أن تناقل الشائعات والمعلومات الخاطئة حول اللقاحات يجعل الأهالي يخافون من تطعيم أبنائهم.

 

نظرية المؤامرة ومن يقتنع بها

بعد القضاء على شلل الأطفال، وإعلان اليمن خالية من شلل الأطفال منذُ فبراير من عام 2006م بفضل اللقاحات، ظهر المرض مجدداً في عدة مناطق مما يقع تحت سيطرة حكومة صنعاء، حيث تسهم نظرية المؤامرة المناهضة للقاحات في فقدان المزيد من الأطفال وإصابتهم بعدد من الأمراض، ومن ضمنها شلل الأطفال.
تحاول حكومة صنعاء إقناع الناس بنظرية المؤامرة، فقد عارضت مؤخراً حملاتِ التلقيح واعتبرتها مخططات غربية مضرّة، فيما كانت السلطة نفسها في السنوات القليلة الماضية متعاونة في تنفيذ الحملات بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسيف.

تقول سماح مثنى وهي اختصاصية اجتماعية: “يبدو أن قبول اللقاح من رفضه ما زال متأثرا بالعوامل السياسية والانتماءات الحزبية، فكثير قد يرفض اللقاح لمجرد سماعه فتوى من خطيب جامع أو سياسي ينتمي إلى حزبه أو توجهه المذهبي، فيحرم ابنه حقا من حقوقه لإرضاء غروره السياسي أو المذهبي”.

جهود متواصلة رغم الصعوبات والمعوقات

“رغم كل الصعوبات والمعوقات التي تواجه حملات التحصين وتوزيع اللقاح، يحرص المجتمع الدولي كل الحرص على سلامة اليمن وأطفالها”، يقول الدكتور العاقل. ويضيف: “لم تتوقف المنظمات الدولية ممثلة بمنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسيف عن الدعم، على الرغم من كل العراقيل التي واجهتها في اليمن بسبب الصراع ورفض وتعنت بعض الأطراف وتوجيه بعض الاتهامات لها”.

من جانبه يقول مدير مكتب الصحة بمديرية الطيال محافظة صنعاء الدكتور علي أبو هاشم: “رغم شح الإمكانيات، نحاول جاهدين على العمل الجماعي مع المنظمات المانحة ومنظمات المجتمع المدني والعاملين الصحيين والمتطوعين للوصول إلى كل طفل ليتلقى اللقاح”، ويقول شارحا: “كذلك التثقيف والإعلام الصحي يبذل جهودا يشكر عليها بالنشرات التوعوية في مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، لإيصال رسالة بأهمية اللقاح”.
وفي بيان لمنظمة الصحة العالمية في السابع من أبريل الجاري الذي يصادف يوم الصحة العالمي، يذكر أن وزارة الصحة اليمنية خلال العقود الماضية سعت بدعم من منظمة الصحة العالمية إلى تحقيق عدد من الإنجازات الصحية الهامة، من أهمها القضاء على شلل الأطفال البري من النمط الأول في عام 2006م، وأكد البيان أن عودة ظهور شلل الأطفال في عام 2021 أدّى إلى تصنيف اليمن ضمن 35 دولة تواجه مرض شلل الأطفال المدمر وغير القابل للشفاء، ونوّه إلى أن النزاع المستمر منذُ ثمان سنوات، أدّى إلى نقص عدد من المكاسب الصحية التي تحققت في العقود الأخيرة، وفي مارس من هذا العام أعلنت الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، تفشّي الحصبة وشلل الأطفال في اليمن، وأكدت أن هناك حاجة ماسة إلى التلقيح في اليمن.
ليس خليل وحده من حُرم من حقه في أخذ اللقاح، فكثير من الأطفال اليمنيين حُرموا من هذا الحق، بسبب رفض أولياء أمورهم تطعيمهم، لكثير من الأسباب والقناعات التي ذُكرت سابقاً.

(أُنتجت هذه المادة بدعم من منظمة INTERNEWS ضمن مشروع Rooted in trust Yemen)

المقالة التالية
اللقاحات.. جسر عبور الأطفال لدائرة الأمان
المقالة السابقة
وفاة الطفلة رشا يفتح ملف لقاحات كورونا للأطفال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed

مقالات مشابهة :

الأكثر قراءه

━━━━━━━━━

كتابات

━━━━━━━━━