يواري دمعته التي تحاول أن تجد لها طريقا إلى خدّه الأسمر، بينما يتذكر تفاصيل التجربة التي خاضتها زوجته مع آلام الفشل الكلوي قبيل وفاتها أواخر عام ٢٠٢٢. محمود غانم (44 عاما) مواطن من فئة المهمشين، يقطن في مديرية المَعافِر جنوب مدينة تعز، ويروي لصوت المهمشين قصة وفاة زوجته افتهان محمد سيف قائلا: “أُصيبت زوجتي بالفشل الكلوي عام 2019، ونقلتُها إلى مستشفى الثورة العام بتعز لتلقّي العلاج، فتقرّر لها عمل غسيل بمعدل مرتين في الأسبوع”.
يحدث الفشل الكلوي الحادّ عندما تعجز الكلى فجأةً عن تنقية الفضلات من الدم، وعندما تفقد الكلى وظيفتها على القيام بعملية التنقية، فقد تتزايد مستويات الفضلات الخطرة، مما قد يتسبب بإحداث خلل بالتركيب الكيميائي للدم. ويُطلَق أيضًا على الفشل الكلوي الحاد “الفشل الكلوي المزمن” أو “إصابة حادة بالكلى”، ويُصاب الأشخاص بالمرض بسرعة عادةً في أقل من بضعة أيام، حسب الموقع الرسمي لمنظمة الصحة العالمية.
وفاة افتهان ومعاناة زوجها
يسرد محمود تفاصيل معاناته: “حاولتُ العمل ليلا ونهارا. استدنّا مبالغ طائلة لم نتمكن من تسديدها حتى اليوم، كان المرض مكلّفا ماديا ونفسيا ومعنويا، خصوصا لبُعدنا عن مركز المدينة”.
لم يستطع محمود توفير الأدوية المطلوبة كاملة، ويشرح وضعه قائلا: “أنا فقير وتكلفة المواصلات من منزلي في المعافر إلى تعز مرتفعة، ولم أجد مَن يقف معي ويقدم لي المساعدة رغم بحثي المستميت لأجل زوجتي”.
ويمعن في شرحه لحالته: “الأصل أن يكون الغسيل من 3 إلى 4 مرات في الأسبوع، ومدة الغسل 4 ساعات كما هو معتاد في العالم أجمع، لكن في تعز يغسلون مرتين بالأسبوع فقط، وهذا أثّر كثيرا على وضع زوجتي، حتى أدى إلى وفاتها قبل أشهر قليلة”.
بسبب الصراع في اليمن وانقطاع الطرقات، تدهورت حالة زوجته الصحية، ويقول محمود: “كنتُ أسعفها وهي بحالة مأساوية، ومع ذلك لم نسلم من نقاط التفتيش ووعورة الطرق والبعد الجغرافي والمعاناة، وعدم وجود أو ندرة الأدوية، وإن وجدتها فهي باهظة الثمن، ولم أستطع الحصول عليها؛ لأني من المهمشين الفقراء”.
يتزايد عدد المرضى بالفشل الكلوي بشكل كبير بين المواطنين اليمنيين بسبب الفقر وانعدام الأدوية والمحاليل الخاصة بالغسل بالمئات سنويا، ويزداد الوضع صعوبة في أوساط الفئات المهمشة، يقول محمود غانم: “توفيت زوجتي، لكني لم أفق بعدُ من آلامي وهمومي: وفاتها، يُتم أطفالي، ديوني، وأوضاعنا نحن المهمشين، إلى متى سنعيش في هذا الوضع المزري؟!”.
“بسبب الفقر والتهميش أنا هنا بانتظار انقضاء أجلي”
الثلاثينية سعاد عبده مريضة بالفشل الكلوي منذ عامين، وهي مِن النساء المهمشات، وأم لأربعة أطفال، تسكن في المدينة السكنية وسط مدينة تعز، وتقول: “أنا مهددة بالموت بسبب عدم توفر المحاليل والأدوية، وعدم قدرتي على شراء العلاج وتكاليف جلسات الغسيل الكلوي، تكلفة العلاج الذي أشتريه أسبوعيا تصل إلى 30 ألف ريال على الأقل، بالإضافة لتكاليف الموصلات من منزلي إلى المستشفى الجمهوري ذهابا وإيابا”. تكمل سعاد: “أنا فقيرة ومهمشة، وزوجي يعمل حمّالا، لا يملك شيئا، حتى السلة الغذائية من الإغاثة لا نحصل عليها، والحال صعب جدا”.
تعدّ سعاد نفسها إحدى ضحايا القصف العشوائي على المدنيين في أحداث الصراع، فقد تسببت الحادثة في إصابتها بالفشل الكلوي ولم تستطع المشي في عام 2015. تقول: “أصبتُ بقذيفة نارية في صدري وأسعفوني إلى مستشفى الروضة ثم إلى مستشفى اليمن الدولي، ولم أُسجّل ضمن كشوفات جرحى الحرب؛ لأني مهمشة سوداء، ولن يلفت إليّ أحد، وكما ترون حالتي تتفاقم مع الفشل الكلوي، وبسبب الفقر والتهميش أنا هنا بانتظار انقضاء أجلي”.
تحديات تواجه مرضى الفشل الكلوي
تصف الطبيبة المختصة بأمراض الكلى والمسالك البولية رهام الأغبري مرض الفشل الكلوي بالخطير في ظل تدهور الخدمات الصحية، وتقول: “وهو أحد الأمراض المنتشرة حالياً في اليمن، وقد ازداد عدد المرضى في السنوات الأخيرة لأسباب عدّة”.
وتضيف الأغبري أن “المشكلة الكبيرة التي تواجه الأطباء والمرضى على حد سواء هي نقصان الأدوية والمستلزمات الطبية الخاصة بالعلاج، وكذلك انخفاض عدد المستشفيات التي تستقبل مرضى الفشل الكلوي، وهي لا تغطي عدد المرضى المتزايد بشكل سنوي”.
وحول بعض المعوقات التي تهدد حياة المرضى، تقول الأغبري: “يعد انقطاع الكهرباء والماء مشكلةً كبيرة في اليمن بشكل عام وتعز بشكل خاص، وهذا تحدٍّ يجب أن يعالج، بالإضافة إلى الصراع القائم في اليمن الذي تسبّب للقطاع الصحي بالتدهور، وزاد من معاناة مرضى الفشل الكلوي، فالمريض من أجل جلسة غسل واحدة يحتاج أن يقطع مسافات طويلة وطرق وعرة، لا سيما أن البعض يأتون من قرى ومحافظات أخرى”.
ويحتاج المريض الفشل الكلوي إلى 3 جلسات غسل كلوية أسبوعيا، مما يضطره إلى السفر 3 مرات بالأسبوع الواحد، وهذه تُعدّ من أكبر المشكلات، غير أن المريض يعاني كثيرا من الألم النفسي والألم الجسدي، وفقا لحديث الأغبري لصوت المهمشين.
خطى متعثرة وتطلعات للنجاة
رغم غياب إحصائيات رسمية بأعداد مرضى الفشل الكلوي من فئة المهمشين، تفيد تقارير رسمية أن مرضى الفشل الكلوي في عموم المجتمع اليمني بلغ أكثر من 10 آلاف حالة، إضافة لأكثر من 40 ألف حالة إصابة بأمراض الكلى المختلفة.
يؤكّد وكيل وزارة الصحة لقطاع الطب العلاجي الدكتور علي جَحّاف محاولات الوزارة لمخاطبة الأمم المتحدة والمنظمات العاملة في اليمن قائلا بهذا الصدد: “خاطبنا الأمم المتحدة والمنظمات والجهات ذات الاهتمام والعلاقة بحاجتنا لتوفير مخزون دوائي كاف لجلسات غسيل الكلي لعام 2023 إلى ما يقارب ٥٠٠ ألف غسله، ولم نتلقَ أي رد منهم”.
ويضيف جحاف: “عقدنا أكثر من مؤتمر، وحذّرنا من كارثة إنسانية تهدد حياة الآلاف من مرضى الفشل الكلوي في مختلف المحافظات، ولكن لا استجابة أيضا”.
رئيس جمعية حياة أفضل للتنمية الاجتماعية وعضو المكتب التنفيذي للاتحاد الوطني لتنمية الفئات الأشد فقرا (المهمشين) فرع تعز فوزي مهيوب يقول: “مرض الفشل الكلوي ينتشر وسط الفئات المهمشة بشكل كبير في ريف تعز، وهناك غياب واضح للجهات الصحية مع مرضى الفشل الكلوي.
ومن واقع معايشة فئة المهمشين، وتحديدا مرضى الفشل الكلوي، نجد معاناة حقيقية وإهمالا واضحا للخدمات الصحية؛ لأن معظم الخدمات تتمركز في عواصم المدن بشكل عام”. ويضيف فوزي: “أتمنى من السلطات أن يكون لها يد في هذا الأمر وأن يسلّطوا الضوء على مرضى الفشل الكلوي من فئة المهمشين. وهناك حالات وفاة من المهمشين بسبب صعوبة الحصول على الخدمات الصحية والعلاجات والأدوية؛ لأنهم أكثر فقراً، فلا قدرة لهم على شراء العلاج أو زراعة الكلى”.
( أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة “lnternews” ضمن مشروع “Rooted in trust” في اليمن)