قائمة طويلة من الأمراض القاتلة والمُعدية تفشّت في اليمن في سنوات الحرب، راحَ ضحيتها عشرات الآلاف من الناس، ورغم عدم توفر أرقام دقيقة وشاملة لضحايا الأوبئة والأمراض المُزمنة والمُعدية حتى اللحظة، تظلّ أبرز الأرقام المسجلة بواسطة المنظمات الدولية والجهات المحلية ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام، وهي تفيد بأننا أمام أرقام مرعبة، وحقائق صادمة، وكارثة إنسانية غير مسبوقة في تاريخ البشرية.
وحديث الأرقام حجة دامغة، وهو محور حديثنا في هذا التقرير، وسنكتفي فيه بعمل مقاربات رقمية وفقاً لما استطعنا الوقوف عليه من تقارير محلية ودولية رسمية وغير رسمية، وتقديم قاعدة بيانات تكشف حجم الكارثة التي خلفها الصراع في اليمن.
إحصائيات عام 2022م
بالتزامن مع إحياء اليوم الدولي للتأهب للأوبئة 27 ديسمبر، عقدت وزارة الصحة العامة والسكان بحكومة صنعاء مؤتمرا صحفيا بحضور وزير الصحة الدكتور طه المتوكل، ودعت وزارة الصحة العامة والسكان، المنظمات الدولية العاملة في القطاع الصحي للقيام بمسؤولياتها والاستمرار في دعم النظام الصحي والتركيز على تعزيز التأهّب للأوبئة بوصفها أولوية.
واستعرضت الوزارة في بيان المؤتمر استراتيجيات برامج مكافحة الأمراض والترصد، وعددا من إحصائيات الأمراض الوبائية في عام 2022م في مختلف المحافظات، وقد أشير إلى أن هناك (2.614.534) حالة أُصيبت بالأمراض التنفسية العلوية، وعدد المصابين بالأمراض التنفسية السفلية (760.656) حالة توفي منها (7) حالات، فيما بلغ عدد الحالات المصابة بالإسهالات المائية (1.150.614) حالة، توفي منها (46) حالة.
وبحسب الإحصائيات، بلغ عدد الالتهابات التنفسية الحادة والوخيمة (4.550) حالة، وتوفي منها (322) حالة، وبلغ المصابون بالإسهالات المدممة (47.550) مصابا، فيما بلغ عدد حالات الاشتباه بالكوليرا (14.508) حالة، وتوفي منها (8) حالات.
وأضاف البيان أن ما يقارب (196.287) شخصا أصيبوا بالتيفوئيد، توفي منها حالة واحدة، ووصلت عدد الإصابات بمرض الحصبة (18.597) مصابا، توفي منها (131) مصابا.
فيما بلغ عدد المصابين بشلل الأطفال 226 حالة، والملاريا (1.136.360) حالة توفي منها (19) حالة، وحمى الضنك (28.157) حالة توفي منهم (37) حالة، فيما بلغت حالات التهاب الكبد الفيروسي بي وسي (20.248) حالة توفي منها حالتان، أما التهاب الكبد الفيروسي ألف وإي، فقد كانت عدد الإصابات 14.039 مصاب، والديفتيريا (1.105) حالة، وتوفي منها (76) حالة.
بحسب وكالة الأنباء اليمنية سبأ في تقرير لها بتاريخ الرابع عشر من أبريل من عام 2020م، سجلت المشافي اليمنية في عام 2018م فقط، نحو (4.900.000) مصاب بالأمراض الوبائية المختلفة، واستأثرت أمراض الجهاز التنفسي بنحو (3.200.000) حالة مرضية، وهو ما يوضح حجم الكارثة التي حلّت باليمنيين بسبب الصراع والحصار وتدهور القطاع الصحي.
الكوليرا الأكثر انتشاراً
بحسب منظمة الصحة العالمية، تعرّضت اليمن في سنوات الحرب، لثلاث موجات من وباء جائحة الكوليرا، وهي الأعنف على مدى التاريخ الإنساني المعاصر، وتزايدت معدلات الوفيات والإصابات بشكل مرعب وغير عادي من عام لآخر، في ظل تحذير المنظمات الدولية من موجة رابعة قد تكون الأكثر كارثية من سابقاتها.
وبينت تقارير لمنظمة الصحة العالمية عن تسجيل (2.352.812 – 2.500.000) حالة إصابة بوباء الكوليرا خلال الفترة 2016م –2020م، وتسجيل 50 حالة إصابة في الساعة طوال سنوات الصراع في اليمن، وقد بلغ عدد الوفيات ما يقارب (3.500 – 4.000) شخص، معظمهم من كبار السن والأطفال، في حين تحدثت إحصائيات وزارة الصحة اليمنية عن (2.326.568) إصابة، ووفاة (3.786) شخصاً، يمثل الأطفال 32% منهم.
وقالت الأمم المتحدة إن نحو (7.600.000) يمني یعیشون في المناطق المعرضة لخطر انتقال الكوليرا، مضيفة في بيان لها بتاريخ 22 أغسطس 2019م أن وباء الكوليرا في اليمن لا يزال الأكثر انتشار حول العالم.
الدفتيريا والتهاب السحايا.. أوبئة تعود من التسعينات
بالتزامن مع تفشي وباء الكوليرا، ظهرت في منتصف عام 2018م حالات انتشار الدفتيريا، وهو مرض بكتيري تنتشر عدواه عن طريق التنفس ومخالطة المرضى وكان آخر انتشار له في اليمن عام 1992م بحسب منظمة الصحة العالمية.
تُشير التقارير الدولية لمنظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة بأنه سُجّلت نحو 5.331 إصابة ووفاة 334 من أغسطس 2017م حتى أكتوبر 2020م، نحو 16% منها من الأطفال.
فيما أبلغ مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن “أوك لوتسما” في عام 2017م عن تفشي وباء التهاب السحايا، وسُجّلت (2.576) حالة إصابة في عام 2018م فقط، أغلبها في تعز وأمانة العاصمة.
حمى الضنك والملاريا.. للحديدة وحجة وتعز النصيب الأكبر
كان لتدهور الوضع البيئي والتغير المناخي إسهام مباشر في تجدّد أوبئة حمى الضنك والملاريا بوصفها أمراضا متوطنة ذات طبيعة وبائية، ووفقاً لوزارة الصحة اليمنية ومنظمة الصحة العالمية، رُصدَ ما يقارب من (154.556) إصابة بحُمى الضنك ونحو (432) وفاة منذ بداية عام 2018م حتى نهاية عام 2019م.
فيما أوضح تقرير صادر من وزارة الصحة اليمنية، وقد نُشر على موقع الوزارة بتاريخ التاسع من شهر ديسمبر من عام 2020م أن العدد الإجمالي للحالات المشتبه بإصابتها بالضنك (37.000) حالة اشتباه و(91) حالة وفاة في الربع الأول من عام 2020م. وبحسب مصادر في السلطة المحلية بمحافظة الحديدة، بلغ عدد الإصابات (3.000) إصابة وعدد الوفيات (33) حالة، منذ أكتوبر حتى نوفمبر من عام 2019م. وفي تصريح لنائب مدير إدارة الإعلام والتثقيف الصحي بمحافظة تعز تيسير السامعي، ذكر أن عدد الإصابات بحمى الضنك وصل إلى (7.990) إصابة، ووفاة (10) أشخاص منذ يناير إلى نوفمبر من عام 2019م.
ونُشرت تقارير لمنظمة الصحة العالمية احتوت على أرقام مخيفة بعدد الإصابات بالملاريا خلال الفترة ما بين 2018م حتى 2019م، وبلغت عدد الإصابات في عام 2018م نحو (612.742) حالة إصابة، منهم (203.297) طفلاً، وقد احتلت محافظة الحديدة المرتبة الأولى، ثم حجة، فتعز، فيما بلغت حالات الإصابة في عام 2019م نحو (1.020.000) إصابة.
الحصبة والبلهارسيا.. اليمن يحتل المركز الرابع عالمياً
ارتفعت حالات الإصابة بالحصبة، وهو مرض مميت، بنسبة 74% ما بين عام 2018م حتى 2019م، في دول بينها اليمن والسودان، حسبما ذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسف.
وحذرت اليونيسف في تقريرها، من ارتفاع حالات الإصابة بالحصبة على مستوى العالم بشكل “مثير للقلق”؛ إذ إن 74% من الزيادة بحالات الإصابة بالحصبة بيـن عامـي 2018م -2019م ظهرت في عشرة بلدان، تأتي أوكرانيا في مقدمتها، فيما يحلّ اليمن في المرتبة الرابعة من جهة عدد الإصابات بنحو (6.640) والسودان في المرتبة الثامنة بنحو (3.500) إصابة.
فيما أكدّت وزارة الصحة اليمنية مخاوفها من انتشار الحصبة في اليمن مؤخراً بسبب تدهور الخدمات الصحية، مشيرة إلى أنه في عام 2018م توفي أكثر من (220) شخصاً، وبلغ عدد حالات الإصابة أكثر من (24.000) حالة، وتضيف الوزارة أن العدد الإجمالي لحالات الإصابة بمرض البلهارسيا في عام 2018م قد بلغ (24.871) حالة إصابة.
الأمراض التنفسية الإصابات بالملايين
تذكر تقارير وزارة الصحة اليمنية في حكومة صنعاء أن عام 2018م كان الأسوأ من جهة الإصابات بالأمراض التنفسية، فقد بلغت الإصابات بالملايين، وتُشير هذه التقارير التي نُشرت على موقع وكالة الأنباء اليمنية سبأ في الرابع عشر من أبريل من عام 2020م إلى أن عدد حالات الإصابة بالأمراض التنفسية العُليا بلغت (2.250.000) حالة، فيما بلغت الحالات المصابة بالأمراض التنفسية السفلى (940,000) إصابة.
فيما بلغت عدد الإصابات الإنفلونزا الموسمية (116.269) إصابة، أما المصابون بالالتهاب الرئوي الحاد، فقد بلغوا (16.000) إصابة. وفي آخر الإحصائيات لعام 2020م سجلت وزارة الصحة العامة والسكان بصنعاء (1.500.000) حالة اشتباه بالأمراض التنفسية.
وسجلت الإحصائية الصادرة عن وزارة الصحة العامة والسكان بصنعاء وصول عدد حالات الاشتباه منذ يناير 2020م حتى تاريخ 19 مايو (1.510.443) حالة اشتباه بالأمراض التنفسية، وقد بلغت حالات التهابات الجهاز التنفسي العلوي (1.069.152) حالة اشتباه منذ بداية العام حتى 19 مايو، بينما سجلت التهابات الجهاز التنفسي السفلي (405.031)، وسجلت الإنفلونزا الموسمية التي أُشير إليها بأنها أنفلونزا H1N1 (33.188)، بينما سجلت الالتهابات التنفسية الحادة “الوخيمة” (3.072) حالة اشتباه.
وتأتي هذه التبعات المتسارعة في وقت بلغ النظام الصحي مرحلة الانهيار شبه التام؛ إذ إن نصف المنشآت الطبية قد تضررت إما جزئيا وإما كليا بسبب الصراع الدائر في البلاد منذ أكثر من ثمان سنوات، بحسب إحصائية لمنظمة اليونيسف.
ولم تُدفع رواتب العاملين في مجال الصحة على مدى الأعوام الماضية، فضلا عن انعدام الأدوية والمعدات والمستلزمات ووسائل الحماية اللازمة للطواقم الطبية. يضاف إلى ذلك أزمة الوقود القائمة في البلاد، التي تهدد قدرات الوصول إلى الغذاء، وقيام المستشفيات بأعمالها وإمدادات المياه التي تُعدّ ضرورية لمنع انتقال الأوبئة والفيروسات المختلفة.
وهكذا تتعدد المصائب والمحن التي يكابدها اليمنيون منذ اندلاع الصراع، من انقطاع الرواتب وارتفاع الأسعار وانعدام فرص العمل، إلى مواجهة أخرى أشد ضراوة مع الأوبئة، بالتزامن مع انهيار القطاع الصحي في البلاد وتردي الخدمات الطبية.