حلمت أروى سعيد فارع (30 عاما) من تعز أن تكون معلّمة أو دكتورة أو ربة منزل ومواطنة لها حقوق وعليها واجبات، بحسب قولها. قبل 5 سنوات، تزوّجت أروى وأنجبت طفلة، ثم انفصلت عن زوجها بسبب العنف الأسري الذي مارسه ضدها، فانتهى المطاف بطليقها إلى أخذ الطفلة عنوة من والدتها، وهو ما أدّى إلى إصابتها بمرض نفسي تفاقم تدريجيا لتتعقد الحالة.
عاشت أروى وضعا مريرا برفقة زوجها بعد أن حبسها طوال الوقت في المنزل، بحسب شهادات المقربين من جيرانها. حاولت أسرتها معالجتها، لكنها أخفقت بسبب تدني الوعي لدى الأسرة والمجتمع ونظرتهم القاصرة للمرضى النفسيين، وكذلك عدم معرفتهم بأن هذا المرض النفسي يمكن علاجه في بدايات ظهوره، مما أدّى إلى تطور المرض لدى أروى، وفقدان جميع قواها العقلية، حتى فقدت قدرتها على النطق، وفقا لحديث خالة أروى، وهي السيدة آمنة أحمد لمراسلنا في تعز.
وتضيف آمنة أحمد (63 عاما): “ذهبتُ بها إلى السّادة (المشعوذين)، ولكنها لم تتماثل للشفاء، ووضعها كان يزداد سوءا يوما بعد يوم، ونحن أسرة فقيرة لا نملك شيئا، ولم نعرف ما نوع المرض التي تعاني منه ابنتي أروى”.
“لم أذهب بها إلى المصحة النفسية أبدا …”
تُكمل آمنة أحمد: “لم أذهب بها إلى المصحة النفسية أبدا من بداية مرضها قبل 15 سنة حتى الآن؛ لأنني لم أعرف أن هذا المرض يمكن علاجه في المصحّات النفسية، وأنا أمية لا أقرأ ولا أكتب، وفي الوقت نفسه لا أستطيع أن أتركها وحيدة، وهي أيضا لن تستطيع أن تفارقنا”.
يشير عاقل تجمع “دي لوكس” بمدينة تعز سامي عياش إلى أن الفئات المهمشة منسية تماما من الدولة، وأنها لم تحصل على أي رعاية، لا سيما حين انتشرت جائحة كوفيد_19؛ إذ عمّت آثار الخوف والرعب لدى المهمشين بين الرجال والنساء والأطفال، ولقينا صعوبة كبيرة في الحصول على اللقاحات في بداية الجائحة، فقد بلغ رسوم الحصول على التلقيح 500 ريال سعودي، مما أدى إلى انتشار الخوف والقلق بين فئة المهمشين، وذلك أننا فقراء ولا نملك إمكانات مثل بقية فئات المجتمع”.
من جهتها، تؤكّد طبيبة الأمراض النفسية والعصبية الدكتورة رقية محمد سالم أن ازدياد الاضطرابات النفسية وحالات الاكتئاب والقلق يأتي دوما بسبب الجهل والفقر وارتفاع نسبة الأمية في أوساط تجمعات المهمشين؛ إذ تصل نسبة الأمية إلى 92%، وغياب دور التوعية المناسبة لقدراتهم العقلية والنفسية والوعي المجتمعي وسط فئة المهمشين والأشد فقرا.
“بادر المصعدي باستعداد مركزه بعلاج بعض الحالات المرضية من فئة المهمشين وتقديم العلاج لهم مجانا.”
صرّح مدير مركز الصحة النفسية بتعز جميل المصعدي لـصوت المهمشين بقوله: “إن الاهتمام بالمرضى النفسيين يُعدّ عملا إنسانيا، لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الحالية نتيجة الحرب والأوضاع الاقتصادية المتأزمة، وبالأخص وسط المرضى النفسيين من الفئات المهمشة”.
ويشير المصعدي إلى أنه على المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني الاهتمام بالجانب الصحي والتعاون مع مكتب وزارة الصحة والسكان بمحافظة تعز، من أجل تقديم الحلول للمرضى النفسيين بشكل عام، وخصوصا تجاه المرضى النفسيين من فئة المهمشين والأشد فقرا؛ لأنهم يعانون من عدم الاهتمام بهم.
ويضيف: “من الضروري القيام بتثقيف جميع المهمشين في مجال الأمراض النفسية وكيفية التعامل مع هذا المرض، فقد صار منتشرا في محافظة تعز بشكل مرعب ومخيف جدا في السنوات الأخيرة، وقد كان لجائحة كوفيد 19 دور كبير في ارتفاع عدد المرضى النفسيين في اليمن، وخصوصا في أوساط الفئات المهمشة”. هذا وقد وبادر المصعدي باستعداد مركزه بعلاج بعض الحالات المرضية من فئة المهمشين وتقديم العلاج لهم مجانا.
“خدمات رديئة واستعداد ضعيف في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة للمهمشين”
يؤكد الناشط الحقوقي من فئة المهمشين معمر الشميري أن جائحة كوفيد_19 كانت عاصفة على المجتمع كله، وعلى الفئات المهمشة بصفة خاصة، من جهة الوفيات وارتفاع حالات الاكتئاب والقلق النفسي من مرض كورونا، بسبب عدم وجود الاحترازات البيئة والصحية وتدني مستوى السكن غير الصحي. وأضاف الشميري: “نحن بحاجة إلى برامج الدعم النفسي بصفة مستمرة من الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني للتغلب على المعوقات النفسية لدمج المهمشين”.
وترى الدكتورة رقية محمد سالم أن التمييز الممارس ضد فئة المهمشين له آثاره النفسية عليهم، بالإضافة إلى سوء التغذية وعدم إتاحة الفرص لهم بالحصول على جميع حقوقهم الصحية والاقتصادية والمدينة والاجتماعية. مما يولّد لديهم حالات الاضطرابات النفسية، وربما تتطوّر إلى أن تصبح أمراضا عقلية يصعب علاجها نظرا لشحّة الإمكانات لديهم.
يقول ريتشارد بوني أستاذ القانوني والطب في جامعة فرجينيا: “تآكلت الخدمات العامة للصحة العقلية في كل مكان، وفي بعض الأماكن لا توجد على الإطلاق، وتحسين الحصول على الخدمات الصحية والعقلية من شأنه الحد من الضغط النفسي والتكلفة الاجتماعية للأمراض العقلية خطيرة بما في ذلك السلوك العنيف”.
ووفقا لتقرير منظمة الصحة العالمية للصحة العقلية الصادر في يونيو 2021، زادت حالات الاكتئاب والقلق بنسبة 25٪ في العالم الأول للوباء وارتفاع عدد المصابين بمرض عقلي إلى ما يقارب من مليار شخص في العالم.
( أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة “lnternews” ضمن مشروع “Rooted in trust” في اليمن)