مع ما يعيشه اليمنيون منذ أكثر من ثمان سنوات من معاناة الحرب والاقتتال وتشظي البلاد وانقطاع المعاشات للموظفين، يحاولون توفير لقمة العيش عن طريق امتهان أي عمل ليحول بينهم وبين الموت، ويقبلون بما يتوفر أمامهم من فرص عمل سواء كانت في القطاع الخاص أو بالقطعة، وتحت ضغط وشروط في أغلبها مجحفة، لكن كل ذلك يهون من أجل البقاء على قيد الحياة هم وأسرهم، إلا أن الموت يتربص بهم من كل جانب.
•شبح “كورونا” المستجد
وعند حصول اليمني على مصدر رزق، بعد أن عجزت الدولة عن توفيره للموظفين، يجد أمامه فيروس كورونا المستجد بالمرصاد، حيث ظهر هذا الفيروس كشبح يهدد مصدر رزقه ويفقده عمله.
أحمد (اسم مستعار) البالغ من العمر 34 عاماً، موظف حكومي سابق بأحد الدوائر الحكومية بصنعاء، بعد انقطاع المعاشات، ذهب يبحث عن عمل في كل مكان حتى وجد عملاً في شركة خاصة في صنعاء، عملاً من فترتين بمعاش يكاد أن يكون ضئيلا.
لم يكن يعلم أحمد أن المرض الذي وإن لم يقتله إلا أنه سيدمر مصدر رزقه ويفقده عمله، حيث أصيب بـ”كوفيد 19″، ما حال بينه وبين الخروج لمزاولة عمله، ما أضطره إلى التغيب عن عمله في الشركة.
في بدايته مع الإصابة بـ”كورونا” كان يظن بأنها مجرد نزلة برد بسيطة سيشفى منها سريعاً وسيتمكن من الذهاب إلى عمله، ولم يكن يدرك حينها بأن الفيروس قد تمكن منه، وأنه مصاب بـ”كورونا”.
كان المرض أقوى منه ما جعله يضطر للتغيب عن عمله لمدة أسبوعين، بحسب نصيحة الطبيب الذي أخبره بأنه مصاب بفيروس كورونا وأن عليه الراحة التامة حتى التعافي تماماً، وعدم مخالطة زملائه حتى لا تنتقل العدوى إليهم.
شعر أحمد وهو يستمع لنصائح الطبيب بذعر شديد، حين تذكر أن لديه مسؤولية خمسة أطفال وزوجة وإيجار بيت والتزامات أسرية أخرى، وحين يمرض ولا يستطيع الذهاب للعمل سيعرض مصدر رزقه للخطر.
قاسى أحمد الأمرين، خوفه من تمكن المرض منه وخوفه على مصدر عمله الذي وجده بصعوبة في شركة تابعة للقطاع الخاص.
•تمنيت الموت على فصلي من العمل
يحكي أحمد: “دورت لوما شبعت على عمل، وحين لقيت عمل بعد أن بحثت على ضمانه تجارية، أصبت بفيروس كورونا المستجد الذي أفقدني عملي، حيث قامت الشركة بفصلي، وتمنيت وقتها لو أن المرض تمكن مني لكان ذلك أهون علي وعلى أسرتي من الفصل الذي جعلني أجد نفسي عاطلا مرة أخرى”.
ويواصل: “بسبب المرض تغيبت عن العمل من أجل التعافي، وعدم نقل العدوى لزملائي في العمل، لكن الشركة لم تقدر كل ذلك، ومع أنني قدمت لها أوراق تثبت إصابتي بفيروس كورونا لكن كان ردهم: أحنا فاتحين الشركة نشتغل وغيابك أكثر من أسبوع غير مسموح”.
وأمام قرار الشركة بالاستغناء عنه لم يستطع أحمد فعل شيء سوى الاستسلام لقرار الفصل والبقاء بلا عمل، “نصحني أحد الأصدقاء برفع قضية على الشركة كون القرار تعسفي إلا أنني تراجعت خشية أن تلفق لي أي تهمة كما حدث مع أحد زملائي المهمشين، حين وجد نفسه مطرودا بتهمة السرقة وتهديده إن قام بأي تصرف ليدافع عن حقه”.
•تعسف أرباب العمل
تعسف أرباب العمل يطال الجميع، خاصة المهمشين الذين لا يسلمون في الغالب منه، كونهم الفئة أكثر ضعفا، حيث يستغل المجتمع ذلك في ممارسات تعسفية واتخاذ قرارات غير منصفة بحقهم، هكذا وصف عبدالغني عقلان، ناشط وداعم لشؤون المهمشين في اليمن، والذي يقول: “ينظر أرباب العمل إلى المهمشين بأنهم لا يمتلكون ظهر يحميهم من التعسف والإقصاء، فغالبا ما تمارس عليهم الاضطهادات سواء بجعلهم يشتغلون أوقات أضافية أو تأخير مستحقاتهم المالية أو الخصم منها بدون وجه حق، وفي نفس الوقت يخشى المهمش من الدفاع عن حقه خوفا من خسارته لفرصة العمل”.
حتى مع تحديد فترة التعافي من الفيروس إلا أن ذلك لم يشفع لأحمد وغيره ممن فقدوا أعمالهم ومصادر رزقهم جراء إصابتهم بالفيروس، فمنظمة الصحة العالمية أشارت إلى أن “فترة التعافي للمريض المصاب بفيروس كورونا المستجد تستغرق عادة من أسبوعين إلى ستة أسابيع، وأن أمر الاستشفاء يعود لمناعة وجسم كل مريض”.
الدكتور تركي حميد، أخصائي صدر يقول أنه “حتى بعد تعافي المريض من الفيروس فإنه بحاجة للرعاية والراحة وعدم الإجهاد، لأن ذلك سيجعل الحالة تنتكس ويعود المرض مجدداً”، وهو ما توصلت إليه دراسة إيطالية أكدت بأن “87% من المرضى الذين دخلوا المستشفيات بسبب فيروس كورونا المستجد ظلوا يعانون من التعب وضيق التنفس بعد شهرين من المرض”.
•القانون لا ينصف المظلومين
وعلى الرغم من أن القانون اليمني كفل الحق للعامل في القطاعين الخاص والعام حق الدفاع عن واجبته، بموجب الفصل الثاني الخاص بتنظيم الإجازات، حيث تنص الفقرة (1) من المادة رقم (83) بأنه “يستحق العامل الذي يصاب بمرض مهني أو إصابة اثناء تأدية عمله أو بسببه إجازة مرضية بأجر كامل بناء على توصية اللجنة الطبية المختصة حتى يبت في حالته الصحية وفقا لقانون التأمينات الاجتماعية”.
كما أن الفقرة (2) من المادة (80) تنص على أن “للعامل أن يستفيد من رصيد الإجازات السنوية إلى جانب ما يستحقه من إجازات مرضية، فإذا استنفذت جميعها منح العامل إجازة بدون أجر حتى يتماثل للشفاء أو تثبت عدم لياقته الصحية من قبل الجهات المختصة”.
أما فيما يخص الفصل التعسفي من العمل، فقد حددت المادة (39) من القانون اليمني، بأنه يستحق العامل تعويضا خاصا عما لحقه من ضرر بسبب إنهاء العقد من جانب صاحب العمل بصورة تعسفية، وذلك بالإضافة إلى ما يستحقه من أجر مقرر عن فترة الإشعار وسائر المستحقات الأخرى المنصوص عليها في هذا القانون وتشريعات العمل المنفذة له، وفي جميع الأحوال يحدد التعويض من قبل لجنة التحكيم المختصة وبما لا يتعدى أجر العامل لمدة ستة أشهر.
ومع كل هذه النصوص القانونية التي تنظم العلاقة بين رب العمل والعمال، إلا أنها لم تشكل رادعا لأرباب العمل لكف ظلمهم عن العمال الذين يتعرضون لفصل تعسفي بسبب أو بآخر، كون القانون اليمني مواده غير محدثة حتى وإن وجدت عقوبات فيه فإنها بسيطة ولا تساوي الضرر الذي يتعرض له العمال.
•أضرار نفسية تفاقم حدة المرض
الدكتور صخر طه أخصائي نفسي يؤكد أن للفصل التعسفي للعامل أثناء تعرضه لفيروس كورونا المستجد يضاعف من المخاطر على حياته، ويجعله يشعر بنوبات قلق وإحباط تحول بينه وبين الشفاء، فـ”المريض حينما يشعر بالخطر على فقدانه لمصدر رزقه وعمله تزداد لديه نوبات الخوف والقلق والاكتئاب التي بدورها تقلل من إمكانية شفائه، ففيروس كورونا يحتاج من المريض الدعم النفسي من محيطه لمساعدته على تجاوز المرض والشفاء منه”.
•تأثير اقتصادي كبير
فيروس كورونا المستجد كان له تأثير كبير على الوضع الاقتصادي في العالم أجمع، وليس اليمن فقط. رياض الغيلي أستاذ في الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية يؤكد أن لفيروس كورونا تأثير اقتصادي كبير على العالم، وخاصة اليمن، لأنه جزء من هذا العالم، ولأنه أيضاً يعتمد على استيراد المواد الغذائية من الخارج، وهو ما تسبب بحدوث أزمة غذائية في اليمن، إضافة إلى أن عجلة الإنتاج تأثرت بنسية 50%، بسبب الحظر والعزل المنزلي والحجر الصحي، فنسبة كبيرة من اليمنيين يعتمدون على الدخل اليومي في ظل انقطاع صرف الرواتب من الدولة، ولذلك فإن العزل وحظر التجوال سوف يؤثر على هذه الفئة بشكل كبير، وبالتالي سينعكس سلبا على الوضع الاقتصادي في البلاد.
•الفيروس يعود من جديد
بعد أن اختفى لفترة وجيزة منذ بدء ظهوره 2020، ها هو فيروس كورونا يعود للظهور مجدداً، والأرقام مرشحة للارتفاع، فقد دعا الوليدي وكيل وزارة الصحة بالحكومة اليمنية المعترف بها، في أول شهر يوليو الماضي إلى أخذ الإجراءات الوقائية المتبعة للحماية من الفيروس، حيث بلغت عدد الحالات المصابة بالفيروس منذ ظهور الوباء في اليمن بتاريخ في التاسع من أبريل 2020 وحتى الآن 11149 حالة، منها 2026 حالة وفاة، و7165 حالة تعافي، وفق إحصائية لوزارة الصحة.
طبعاً، هذه الأرقام تخص المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها، بينما لا توجد أي احصائيات حول الفيروس لدى وزارة الصحة التابعة لسلطة الحوثيين، والتي سياسة التحفظ في هذا الموضوع الأمر منذ بدء تفشي فيروس كورونا في اليمن 2020، وعدم نشر أي احصائيات لعدد الوفيات أو الإصابات بشكل دقيق.
يمن فيوتشر -“تم نشر هذه المادة بدعم من JHR صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا”.