في بلد أنهكت مقدراتِه الحروبُ، ومزّقت مجتمعه الخطابات العُنصرية والمناطقية العقيمة، ليُصبح أكثر بلد يُعاني من أكبر أزمة إنسانية، بحسب تقارير الأمم المتحدة، يُجاهد كثير من أبنائه للبحث عن أي فرص تضمن له متطلبات معيشية ميسورة، وفيه أيضا تبرز مواهب وقدرات النساء في مساعدة الرجال في متطلبات الحياة.
نشير في تقريرنا هذا إلى الوضع الإنساني المتدهور الذي تعاني منه فئة المهمشين في اليمن، ودور النساء المهمشات في المجال الاقتصادي؛ إذ يتميّزن بقوة العزيمة والإصرار، ونسرد للقارئ كيف واجهت المرأة المهمشة واقعها المعيشي في بناء قدراتها في المجال الحِرَفي، وكيف تخاذلت بعض المنظمات المحلية والدولية في تمكينهن وتشجيعهن اقتصاديا.
السيدة خاتمة كُليب (33 عاما) فقدت والدها وشقيقتها وطفليها جراء غارة جوية استهدفتهم في مسكنهم مطلع عام 2018، وزوجها يقبع في سجون المملكة العربية السعودية منذ ثلاث سنوات، وبرغم كل هذا، لم تختر طريق التسوّل، وارتأت أن تأكل من صنع يديها لتخفّف من وطأة الفقر المدقع الذي يُحيط بها، وأوجاع الحرب التي جعلت منها نازحة من منطقة حذران غرب مدينة تعز.
تقول خاتمة: “كانت بداية مسيرتي المهنية، عندما تمكّنت من المشاركة في دورة تدريبة مع إحدى المنظمات المحلية في مجال الخياطة والتطريز لمدة عشرين يوما، فعشقت هذه المهنة، واستطعت شراء مكينة خياطة متواضعة، وبدأت العمل عليها في خياطة وتطريز الملابس، وبيعها لنساء المنطقة، حتى تمكّنت من إتقان المهنة، وافتتحت معملا صغيرا للخياطة ولعرض منتجاتي من الملابس النسائية والأطفال بمجهودٍ ذاتي.
مشاريع بدون أثر
تتسابق بعض المنظمات المحلية بمحافظة تعز، على التباكي بنشراتها وبياناتها على الوضع المعيشي للمهمشين، بتصوير مخيماتهم ووضعهم المتدني، بهدف تليين قلوب المانحين لجلب الدعم لمشاريعهم، وتشكو بعض النساء المهمّشات من غياب دور تلك المنظمات التي تدعم تمكين النساء اقتصاديا بتعمدها إقصاء النساء المهمشات من مشاريعها ومن التمييز الممارس ضدّهن.
تقول خاتمة: “لديّ طموح كبير في مهنة الخياطة، لكن للأسف لم أحصل على دعم من المنظمات مثل بقية نساء المجتمع الآخر، فكثير من البرامج التي تقدّمتُ بطلب الحصول على الدعم منها واجهتني بالرفض، بينما أجد الدعم يتوفر لنساء من المجتمع الآخر، بالرغم من أن للنساء المهمشات معايير أكثر تؤهلهن للحصول على ذلك الدعم”.
يقول رئيس فرع الاتحاد الوطني للمهمشين بتعز هزاع قائد سالم لصوت المهمشين: “للأسف الشديد، لا يوجد أي أثر ملموس لمشاريع بعض المنظمات التي تقوم بالترويج والتباكي على مآسي وأوضاع المهمشين، والتي تحصل على كثير من الأموال لتنفيذ مشاريع تمكنّهم اقتصاديا أو قانونيا أو اجتماعيا، وهذا ينعكس سلبا على تنمية وتمكين النساء المهمشات. يُبرزون معاناتهن للمانحين، ويحجبون عنهن الدعم”.
التمكين الحل الوحيد من الفقر
تكمن أهمية التمكين للفتيات والنساء المهمشات في اعتباره الوسيلة الوحيدة لتغيير واقعهن المعاش وإنقاذهن من الفقر وتحويلهن من نساء متسوّلات إلى نساء مُنتجات، ونساء أكثر قدرة على مواجهة ظروف الفقر والتهميش ليتوجّهن نحو تربية الأطفال والتعليم وتوفير مستلزمات الغذاء والملبس والمسكن والدواء، ليصبحن ذوات أثر ملموس في مجتمعهن.
السيدة آسيا عبد الله ناجي أحمد (25 عاما) تسكن في منطقة وادي الضباب جنوب مدينة تعز، ويعاني والدها من وضع نفسي مضطرب، بينما والدتها مريضة بالسكر والضغط وتمتلك موهبة في رسم النقش للنساء. تقول: “عشقتُ مهنة النقش والخضاب منذ صغري، وبدأت العمل فيها منذ 8 سنوات، بعد أن أصبح والدي غير قادر على العمل، لأواجه متطلبات الحياة، وأوفر الدواء لهم، فأقوم بمزاولة هذه المهنة للنساء، خصوصا في حفلات الزفاف والمناسبات، واستطعتُ بناء علاقات واسعة مع كثير بسبب عملي المتميّز، مما ساعدني على مواجهة أتعاب الحياة المعيشية”.
تقول سميرة سويد رئيسة دائرة المرأة بفرع اتحاد المهمشين في عدن: “يؤسفني أن أقول: إن بنود اتفاقية السيداو لم تُطبّق علينا نحن، النساء المهمشات، وانحصر تطبيق بعض بنودها على النساء من الفئة الأخرى فقط، رغم وجود كوادر مؤهلة في مختلف المحافظات”. وتضيف: “هناك قصور واضح من الحكومة وتضليل على المنظمات الدولية من المنظمات المحلية بغرض الاستيلاء على الدعم المخصّص للنساء المهمشات، على الرغم من وجود مكونات كثيرة من النساء السمر قادرات على إدارة المشاريع بمهارة عالية”.
وتتركز أعمال المرأة المهمشة في اليمن، بشكل أكبر في أعمال النظافة، سواء في صندوق النظافة الحكومي أم في نظافة المنازل، أو زراعة الفجل ونبتة الكُراث وبيعها في الأسواق، وهي أعمال أساسية، ولكنها في نظر كثير من اليمنيين من الأعمال الدونية التي لا يعمل بها سوى المهمشين، وإذا احترفت المهمشات أي مهنة تساعدهن على النهوض بوضعهن المعيشي، لا تجد من يساندها لتتمكن من صقل قدراتها.
ملكية الصورة: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي