“مهندسو البيئة”.. لفتة امتنان من طالب جامعي لـ”عمال النظافة” في شبوة

في مشهد لافت للجميع بقاعة الاحتفال، ظهر الشاب “علاء الدين العامري” (23 عاماً)، في حفل تخرّجه الجامعي بزي “عمال النظافة” بدلا من الزي الموحّد الذي اختاره زملاؤه المتخرجون معه من كلية النفط والمعادن بمحافظة شبوة (شرق اليمن).

أراد “علاء” بهذه الخطوة أن يكرّم عمال النظافة الذين وصفهم بـ”مهندسي البيئة”، على مهمتهم النبيلة في الحفاظ على المدن والشوارع بأبهى صورة منبّها إلى أن كثيرا من الناس لا يدرك مدى المعاناة التي يتكبدها العاملون في هذه المهنة الكبيرة بدءا بأجورهم الزهيدة وانتهاء بعدم تقدير المجتمع لهم.

وقد لقيت المبادرة إعجاب زملائه وجميع الحاضرين في قاعة الاحتفال؛ إذ بدا متميزا يحمل رسالة ذات قيمة كبيرة في مساندة عمال النظافة الذين هم من فئة “المهمشين”، والذين فرضت عليها الحياة مهنة قاسية، مع أنها تمثل واجهة المجتمع والدولة.

وقال علاء العامري: “أقدمتُ على هذا الأمر، بوصفه واجبا أخلاقيا ومجتمعيا ودينيا تجاه (مهندسي البيئة والصحة المجتمعية) كما أسميهم، وتكريماً ووفاء لهم على أدوارهم الرائدة، وهذه لفته شكر وعرفان لهم على دورهم في الحفاظ على جمال وبيئة محافظة (شبوة) ومجمل محافظات الجمهورية اليمينة”.

وقد التحق الشاب “العامري” في عام 2017 بكلية النفط والمعادن في شبوة، وتخصص بقسم “اقتصاديات وإداريات النفط”، وقد تخرّج منها العام الجاري، وكان حفل التخرج في 10 أكتوبر 2021.

وعن دافعه الأساسي لمساندة عُمال النظافة، يقول العامري: “إنها قيمة قام بتأصيلها والدي المتوفي منذ 10 سنوات، وقد كان يعمل معلماً، وقد غرس فيّ القيم والأخلاق التي تضع الآخرين في مكانتهم واحترامهم، إلى جانب أسرتي التي كان لها دور إيجابي في ذلك”.

بادرة إيجابية

تمنح المبادرات الإيجابية الشبابية روح التعاون والتوعية بأهمية فئة “المهمشين” الذين يعلمون في مهنة نظافة الشوارع والأحياء في غالبية المحافظات والمدن اليمنية، وعلى الرغم من أهمية ما يقومون به، لا يحظون بتقدير من قبل المجتمع، ولا السلطات التي تمنحهم أجورا مادية زهيدة.

وقال مدير صندوق النظافة بشبوة محمد فضل الحامد: “شهدتُ حفل التكريم، وقد أثار دهشتي الشاب (علاء)، وهي بادرة اجتماعية إيجابية، لأنها تعطي رسالة تدعم أبناء عمال النظافة؛ إذ يُنظر لتلك المهنة بنظرة دونية”، وأضاف في حديث لصوت المهمشين أن الشاب بذل جهدا على مدى أعوام دراسية، ومن حقّه أن يحلم بارتداء زي التخرج مثل كل زملائه، لكنه اختار زي “عمال النظافة”، ليعطي للعمل مكانته المستحقة.

وأشار الحامد إلى أن تلك الخطوة تضمنت رسالة التحرر من النظرة الدونية ووضع المهنة في المنزلة التي تستحقها من الاحترام والتقدير والاجلال، لأثرها المجتمعي الكبير علينا.

ولفت مدير صندوق النظافة إلى أن تلك المبادرة فتحت أفكارا واسعة لتبني برامج توعوية، سيعمل عليها الصندوق في القريب العاجل، وأكّد عزم إدارة الصندوق بالمحافظة على تكريم الشاب “العامري”، نتاج صنيعه والرسالة الرائعة التي أوصلها للمجتمع إزاء ذلك الفعل الجميل.

تستحق العرفان

من مبدأ المساواة في الفرص والحقوق لكل إنسان، يحتاج العاملون في مهنة “النظافة” إلى من يدافع عن حقوقهم، ويصنع حالة وعي بالعرفان لهم من قبل المجتمع، واستعادة القيم الإنسانية والدينية في التعامل مع فئة المهمشين، ومن هنا تأتي أهمية ما قام به الشاب “العامري”.

وقال الأمين العام للمجلس المحلي بمحافظة شبوة عبد ربه هشلة ناصر: “كنت حاضراً في حفل التكريم، ولفت أنظارنا الطالب العامري، وعرفنا أن عمال نظافة بحاجة إلى من يشكرهم على جهودهم في إعطاء أنموذجا رائعاً للمحافظة”، وأضاف في حديث لصوت المهمشين أن ما قام به الطالب انعكاس للأخلاق والقيم المغروسة فيه؛ لأنه يعبر عن عرفان تجاه فئة مهمشة، لها مكان وفضل كبير على المجتمع، وهذه الفئة التي تحافظ على البيئة والنظافة وتحمينا من الأمراض والأوبئة.

وأشار أيضا: “ما قام به عمل ممتاز في التعبير عن أهمية ومكانة عمال النظافة في مجتمعنا”، لافتا إلى أنه وجّه مدير صندوق النظافة الحامد وتحدث معه عن الطالب وعن أهمية تكريمه، مثمناً دوره الإيجابي تجاه تلك الفئة العمالية.

وعبر الأمين العام للمجلس المحلي بمحافظة شبوة عبد ربه هشلة عن دعمة لفئة المهمشين والدفاع عن حقوقهم وقال: “إن الثوابت الدينية تنصّ على العدالة والمساواة ونبذ التفرقة والعنصرية، وأنه لا فرق بين أبيض وأسود ولا أعجمي وعربي، وتؤكد على أن الناس سواسيه كأسنان المشط”.

يحتاج المجتمع لكثير من المبادرات التي تعزز قيم التعاون والمساواة واحترام أصحاب المهن المختلفة، والتي تعمل كلها لبناء المجتمع وإصلاحه، وفي ظل الحرب عانى “عمال النظافة” من تدهور أوضاعهم المعيشية، وهم بالأساس من الفئات الأشد فقرا في المجتمع قبل الحرب.

المقالة التالية
مرضى الفشل الكلوي.. معاناة في الحصول على لقاح كورونا ومطالبات بإيصاله إلى مراكز الغسيل
المقالة السابقة
الإسكافيون في اليمن.. معاناة معيشية قاسية وإهمال مجتمعي وحكومي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed

مقالات مشابهة :

الأكثر قراءه

━━━━━━━━━

كتابات

━━━━━━━━━