لا يزال سكان قرية عُنس أشروح، إحدى عُزل منطقة بني بَكاري بمديرية جبل حَبشي في محافظة تعز جنوب غرب البلاد، مشرّدين من ديارهم منذ أكثر من سبع سنوات، وذلك عقب تعرضهم لعملية طرد وتنكيل جماعيين بسبب تقدّم شاب منهم لخطبة فتاة من القبائل (مُصطلح يُطلق لمجتمع الطبقات العُليا)”. لم تكتف أسرتها بالرفض، بل قام والدها بحشد عشرات المسلحين وقاموا بهدم وإحراق 42 منزلاً، ونهب جميع ما يملكون، وتهجير جميع السكان من المنطقة، ولم تحرك السلطات ساكناً، رغم قيام العشرات من المهمشين بتنفيذ مسيرات ووقفات احتجاجية أمام مبنى رئاسة المجلس المحلي في محافظة تعز.
في هذا التقرير نسرد أبرز أشكال التمييز العنصري ضد مواطنين يمنيين أصبح لون بشرتهم جريمة تلاحقهم، في مجتمعات لا تعي أن لون البشرة إحدى قدرات الخالق، فمورس عليهم التهجير والتنكيل ومحاولات القتل؛ بسبب علاقة زواج يمني من فئة المُهمشين بيمنية ليست من فئته أو العكس.
صفوان سيف السامعي (42 عاماً) شاب من المهمشين ارتبط بقصة حب جميلة مع فتاة من غير فئته، فكانت العنصرية أكبر عائق له في التقدم للزواج منها، فلم يكن أمامهم إلا خيار واحد وهو الذهاب إلى الشيخ القبلي للمنطقة، ليقوم بتقديمهم إلى المحكمة، لإجراء مراسم عقد الزواج عبرهم، متحديين كل العوائق والتحديات والعواقب التي ستقاذف عليهم.
يقول صفوان: “كان حلمي أن أتزوج بالفتاة التي أُحبها، وهي من القبائل لأننا نعيش في منطقه واحدة. يقول: “تعرّفت على الفتاة وقررنا الزواج. سمعت أخبارا كثيرة بأن زواج الأخدام من القبائل يعتبر جريمة ومُحرما وممنوعا، فقررنا أن نذهب إلى أحد مشايخ القبيلة، لإتمام عملية الزواج بعقد شرعي عبر المحكمة، لكن للأسف قام أهل الفتاة بملاحقتنا، وأخذوا الفتاة من منزل الشيخ، وتمكنتُ من الفرار إلى مكان آمن حفاظاً على حياتي”.
تهجير ونهب ممتلكات
في أبريل 2014م حشد والد الفتاة أكثر من مئة مُسلح وهجموا على حيّ المهمشين من أهالي صفوان في قرية عُنس أشروح بعزله بني بكاري في مديرية جبل حبشي بتعز. تعرضت 45 أسرة منهم إلى التهجير القسري بعد أن قام المسلحون بإحراق جميع منازلهم، ونهب ما يملكون من سيارات وثروات حيوانية وغيرها، وطردوهم من المنطقة التي يسكنون فيها منذ أكثر من مئة عام، على خلفية رغبة صفوان في الزواج من ابنتهم.
وفي مايو 2017 هُجرت أكثر من 40 أسرة من منازلها في مديرية قعطبة بمحافظة الضالع جنوب اليمن، على خلفية طلب شاب من مُجتمع القبائل الزواج من فتاة من المهمشين، فلم يكتفوا بالرفض وحده، بل قاموا بإحراق كل منازل المهمشين، وطردهم من المنطقة، وقُتل الشاب على يد أخيه بعد إصراره على الزواج من المهمشة، معتبرا ذلك انتهاكا لأعراف قبيلته، وعيبا في تاريخهم.
يقول أحد المهجّرين الناشط أحمد علي حسان (44 عاماً): “تجمّع علينا أهل القرى المجاورة، وهجموا على منازلنا بالأسلحة. طُردنا من منازلنا بعد إحراقها، ونُهبت كلّ ممتلكاتنا من سيارات ومولدات كهربايية ومجوهرات النساء ووثائق ثبوتية، ونحن لا علاقة لنا بما حدث. لم يرحموا أنين العجزة، وبكاء الأطفال والنساء الثكالى”.
“رأينا الظلم بأم أعيننا، وتجرّعنا القهر مررا”
يُضيف أحد المهجرين أيضا نافع هزاع (35 عاماً)، فيقول: “قام المدعو (ع. ع. ق) والمدعو (م. ن. و) وأفراد عصابتهم، بتهجيرنا من منازلنا التي نسكن فيها منذ أكثر من مئة عام بالقوة وتحت تهديد السلاح، ونهبوا كل ما نملك ويضيف: “رأينا الظلم بأم أعيننا، وتجرعنا القهر مررا، لأننا مهمشون فقراء، وحقراء بنظر المُجتمع”.
سُلطات محلية تكتفي بالمشاهدة عن كثب
واقعة تنكيل وتهجير لعشرات الأسر شاهدها وسمع عنها كثير من اليمنيين، وانتفض المهمشون في مسيرات غاضبة، ووقفات احتجاجية، رافضة تلك الممارسات بحق أهالي القرية، وقدّم المُهجّرون عريضة شكوى جماعية إلى إدارة أمن مديرية جبل حبشي، ونظموا مسيرة واعتصاما أمام مبنى محافظة تعز، مُطالبين باتخاذ إجراء قانوني رادع، وحمايتهم من أولئك النافذين وعصابتهم، لكن مع الأسف الشديد، لم يتم التفاعل ولم تحرك السلطات المحلية والأمنية ساكنا، ورُمي بملف القضية في دهاليز الأرشيف.
قصة زواج مختلطة ناجحة
المواطن (ع. ن. ر) (42 عاماً) أحد المهمشين في تعز يقول: “تعرّفت على فتاة من مُجتمع القبائل وقرّرنا الزواج، وذهبتُ إلى أهلها لطلب يدها، لكنهم رفضوا نهائياً، فذهبنا منزل الشيخ وأتممنا عقد الزواج من دون علم أهلها، والآن لدينا 4 أطفال”.
يعود السبب في نجاح هذه الحاله إلى تحسّن الوضع المادي لهذا الرجل، وإلى تحرّك ناشطين حقوقيين حينها لإيجاد ضغط وموقف حازم من الشيخ والنظر إلى القضية بأنها رغبه زواج بين الطرفين، بعد أن رفض أهالي الفتاة وتعرض المتقدِّم لمضايقات وصلت إلى نهب سيارته، وبعد هذه المواقف، نجح الزواج وأعيدت سيارته.
في المجتمع اليمني يبقى الزواج مشروعاً وفق الشريعة والقانون، ومحرماً بقيود العادات والتقاليد والأعراف. أصبح زواج الشباب المهمش من فتاة من فئات المجتمعات الأخرى أو العكس عيبا يلاحق القبيلة، وذلك ترسيخ لنهج مستمر من العنصرية والتمييز القائم ضد إحدى فئات المجتمع اليمني، ولم تك جريمتهم أنهم خلقوا ببشرة سوداء، ولكن المجتمع فرض عليهم هذا الإرث الطبقي، ولا يزال الوعي بمناهضة العنصرية والتمييز قاصراً لدى المثقفين وكثير من الناس، وهذا يتطلب قيام الحكومة بإعداد استراتيجية وطنية لمناهضة التمييز والحد من ممارساتها ضد المهمشين والأقليات المضطهدة الأخرى في اليمن.