ما مصير موتى المهمشين؟

لم يكن أحمد حمادي (مهمش عشريني من السحول بمحافظة إب) يعرف سبب هروب الأطفال منه فور رؤيته، لكنه كان يتألم كثيرًا. كان أحمد يعمل في مشفى المنطقة عامل نظافة، وذات يومٍ توفي حفيد الجدة غُصون فور ولادته، فسمع أحمد الجدة تحذّر ابنتها بالقول: “انتبهي  يأكل ابننا” قاصدة  أحمد حمادي.

يصف أحمد حمادي لصوت المهمشين صدمته من الموقف، بأنها كانت طعنة خنجر في الخاصرة، ثم تساءل كيف لبشر أن يأكلوا جثث الموتى، أو يحتفظوا بالجثث المعفنة؟! كيف طاوعتهم أنفسهم أن يصمونا بهذه البشاعة، وأن يتهمونا بهذه الوحشية؟!

ويضيف مبيّنا: “نحن لا نشيع الموتى في الظلام، بل نحفر القبور، وندفن موتانا نهارا، ونقيم العزاء، ونبكي كثيرًا، ونتقبل التعزيات والمواساة من الجميع . هذا أمر واضح للعيان”.

نظرة مغلوطة

يؤكد مهمشون كثر بأن لهذه الإشاعة حضورا، وأنها تهدف إلى تشويه سمعة المهمشين، وتوسيع الفجوة بينهم وبين المجتمع، وأنهم قد تعودوا على التهميش والظلم، لكنهم يأملون خيرًا في الجيل القادم أن يتخفف من النظرة الدونية تجاههم، وأن يتعامل معهم بوصفهم بشرا مثلهم ومواطنين يساوونهم في الحقوق والواجبات.

في نزولٍ ميداني لمراسلة صوت المهمشين إلى مساكن المهمشين في منطقة السحول بمحافظة إب التقت بمجموعة منهم، وقد لقيت أسئلتها حول تلك الشائعة استغراب بعضهم، وأبان آخرون عن معرفة ذلك، فقد أشارت الحاجّة نادية (مهمشة ستينية) إلى معرفتها بتلك الخرافة ، وأنها تعبت من محاولاتها المتكررة لتصحيح هذه النظرة. تقول نادية:” كثيرًا ما واجهتني اتهامات بأننا لا ندفن موتانا، ونأكلهم إذا جُعنا، أو أننا نحرق موتانا، بل تذكر شائعات أننا لا نموت، أو أن جثثنا تتحلل وتتحول لأشياء أخرى لا نعرف ماهيتها”.

وتضيف بأنها تصحح النظرة ببساطة، وترد على من يقول ذلك بأن هذه المعلومات مغلوطة وظالمة، ولا تمت للواقع والممكن بصلة، وتنصح المجتمع بالتروّي والتأكد، وأن يتحلى بالإنسانية قبل ذلك.

ويقول المحامي هاني مانع: “ولدت تلك الشائعات من رحم العنصرية وقبح التمييز الاجتماعي، وهي مخالفة لروح الإنسانية وثقافة التسامح والحب، ، ويجب نشر الوعي في الوسط المجتمعي بأهمية احترام حقوق الإنسان”.

نحن لا نشيع موتانا بالسيارات الفارهة

يقول الناشط المجتمعي بتعز علي سعيد علي المقرمي (35عامًا): “أمثال تلك الشائعات تزيد من عزل المهمشين، وتصورهم بأنهم وحوش مفترسة؛ فتتولد فكرة سلبية لدى الأطفال ، مما يسهم بشكل كبير في التفرقة الاجتماعية والتمييز”، ويضيف المقرمي: “على المجتمع أن يعرف أننا فقراء لا نمتلك المال حتى نقيم العزاء في الصالات الضخمة، وأننا لا نشيع موتانا بالسيارات الفارهة”.

يقول عضو المجلس المحلي في مديرية القاهرة محافظة تعز جنوب اليمن د. نبيل الحكيمي لصوت المهمشين: “يعود سبب انتشار هذه الشائعة إلى تدني الوعي المجتمعي وغياب احترام حقوق المهمشين، وأيضا إلى العزلة المجتمعية “.

ويضيف حاكيا اطلاعه الشخصي على الأمر وأنه قبل نحو ثلاثين عامًا وأكثر كان إذا توفي مهمّش يقوم أهله بحفر قبره جوار الأكواخ التي يسكنونها، ويُدفن فيها لأن الأرض التي يسكنون فيها واسعة ومالكو الأرض متعاونون لا يرفضون ذلك، الوفاة يؤخذ الميت إلى أقرب مسجد من سكنهم ويُغسل ويُصلى عليه ويؤخذ إلى القبر الذي قام أهله بحفره، وفي الحقيقة همفقراء ومعدمون لا يستطيعون شراء القبر المعتاد، وأحيانا يعجزون عن شراء كفن”.

وقد تغير وضع المهمشين في العقدين الآخرين، وأدّى التعليم دورًا كبيرًا وإن كان بنسبة قليلة في أوساط المهمشين، فأصبحوا طلابًا ومعلمين في المدراس، ويعيشون في الأحياء ويدفنون في المقابر مثل بقية الناس، ويُصلي عليهم في الجوامع مثل بقية الناس، بحسب حديث الحكيمي لمراسلنا في تعز.

شهود عيان

يؤكد خالد القبّار (حارس مقبرة الرضوان في حي عبد القوي بمحافظة عدن) بأنه عمل في حفر القبور لستة أعوام، ويقول: “عملت مع أخي في مقبرة الرضوان، ولدينا منزل داخلها نحن وعائلتنا، وفي هذه المدة رأيت أن جميع المهمشين كما هو شأن غيرهم يدفنون موتاهم في هذه المقبرة، ولا صحة لهذه الإشاعات، وعندما تأتي جنازة لأحد من المهمشين أرى كثيرا من الناس بمختلف ألوانهم يتبعون الجنازة، وكل ما قيل شائعات كاذبة”.

ويقول الصحفي ومختص العلاقات العامة أحمد فتيني عمر بيطار (من سكان مديرية دار سعد الشرقية):” هذا كلام عنصري لا غير، وهذه الافتراءات تصدر عن فئة قليلة لا تعرف المهمشين ولم يعايشوهم، فعند موت أحد المهمشين يتبع الجنازة كل أنواع الناس ماعدا العنصريين”.

وأضاف بيطار مشيرا إلى مشكلة أخرى، وهي أنه في بعض الأوقات توجد عراقيل أمام المهمشين في عدم حصولهم على أوراق الدفن والتعريف بحالة الوفاة من أقسام الشرطة أو عقال الحارات بشكل سريع”.

ويقول سالم محمد حيدرة نائب رئيس لجنة بلوك 21 (مدينة البساتين- محافظه عدن) لمراسلتنا: “إنّ معظم الناس تشارك في جنائز المهمشين ودفنهم، وثمة من يكنّ لهذه الفئة كل الاحترام والتقدير، وثمة من يقف ضدهم”.

بينما يضيف الإمام أحمد الحرسي إمام مسجد الرحمة (مدينة البساتين بلوك 21- محافظة عدن) أن هذه الشائعات ليس لها أي أصل صحيح، وأنها شائعات موجعة لهذه الفئة الضعيفة، وغياب دور الدولة في تحقيق الوئام بين أطياف المجتمع أدى إلى انتشارها . ويزيد: “دورنا نحن -أئمة المساجد- أن نوعّي مجتمعنا من خطورة هذه الشائعات، والتي تعتبر جورا كبيرًا، وهناك جهل حول هذا الموضوع ينشر الرعب والخوف، ويزيد العنصرية ضد هذه الفئة الضعيفة”.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

الصورة: مشهد دفن أحد المهمشين في مقبرة عامة

المقالة التالية
التحضير لإشهار مجلس التنسيق الوطني للأقليات
المقالة السابقة
التمييز والعنصرية يغيب “المرأة المهمشة” من برامج التمكين الاقتصادي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed

مقالات مشابهة :

الأكثر قراءه

━━━━━━━━━

كتابات

━━━━━━━━━