شائعات وأكاذيب حول فيروس كورونا

“تناول 4 فصوص من الثوم كلّ صباح” بالتأكيد سيكون خيارًا أسهل وأيسر من ارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة والحارة، وأقل إزعاجًا من ترك مسافة آمنة بينك وبين الآخرين، وأقلّ تكلفة من الالتزام بالمنزل وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى، لكن الفيروس للأسف خفي وقاتل، ولا يمكن الوقاية منه بتناول مزرعة ثوم كاملة.

قد يكون لشائعات على غرار هذه الشائعة التي تروّج معلومات غير صحيحة آثارٌ فادحة وجسيمة على المجتمعات المحلّية والمنظمات التي تعمل معها، بيد أنه في غالب الأحيان لا نُولي هذا النوع من الشائعات إلا قدرًا يسيرًا من الاهتمام حتى يفوت الأوان.

الإشاعة خبر لا أساس له أو غير متحقَّق من صحته، وتكمن خطورته في سرعة الانتشار بين عامة الناس، سواء بحسن أم سوء نية، وفي إثارته لشهية المتابعة، ومن ثم التداول لخلق البلبلة وزرع الشكوك وزعزعة الثقة، وبالتالي بناء توجّهات باطلة لدى المواطنين، وما يتبعها من قناعات فكرية واندفاعات سلوكية غير سليمة، وهو ما يؤثر سلباً على مصلحة العباد والبلاد.

وفي أيامنا هذه، تعاظمت قوة الإشاعة بفعل وسائل التواصل الاجتماعي وسرعتها في نقل المعلومة وقدرتها على تشويهها وتهويلها، ويفتقر معظم مستخدمي مواقع التواصل إلى ثقافة التحقّق من المصدر؛ إذ يجب أن تتوافر فيه المرجعية والاختصاصية والموثوقية، ليحظى بالمصداقية.

وفي حين يكافح العاملون في مجال الصحة البلدان التي انتشر فيها الوباء بتفان منقطع النظير لعلاج المصابين، ويحاول العلماء والمختبرات في كثير من البلدان إيجاد دواء ولقاح له، يعمل آخرون أيضًا على القضاء على مشكلة تصفها منظمة الصحة العالمية بأنها “وبائية”، وهي ما أُطلق عليه “وباء المعلومات”، وهو ترجمة للمصطلح باللغة الإنجليزية (Infodemic).

الدكتور عقيد الصبيحي (طبيب عام) يعمل مديراً عاماً لمركز الشهيد الطبي الواقع في أحد الأحياء الشعبية في مديرية الشيخ عثمان بمحافظة عدن جنوبَ اليمن، يتحدث عن جهودهم في مكافحتهم للشائعات أثناء جائحة كورونا: “بالرغم مِن أن بلادنا لم تتأثر كثيراً بجائحة كورونا، واجهتنا في بداية تفشي كورونا صعوبات وتحديات كبيرة بسبب انتشار الشائعات، فقد تسبّبت تلك الشائعات والمعلومات الكاذبة والأخبار الزائفة بالخوف والهلع لدى المواطنين وعزوف كثير منهم عن أخذ اللقاحات”.

وأشار الدكتور الصبيحي إلى أنهم واجهوا مشكلة كبيرة في أثناء تفشي كورونا، وكان ذلك بانتشار أمراض الحمّيات الموسمية، وقد روّج كثير بأنها فيروس كورونا، وليست مجرد حميات لا تستدعي القلق.

كانت أول إصابة بجائحة فيروس كورونا أكّدتها وزارة الصحة اليمنية في جنوب اليمن بمحافظة حضرموت في 10 أبريل 2020، في بيان نشرته اللجنة الوطنية العليا لمواجهة وباء كورونا.

ورغم تزايد سهولة الوصول إلى مصادر المعلومات الرسمية والموثوقة في بلادنا، ظلّت الإشاعات بمختلف أنواعها باقية، بل متداولة على نطاق أكبر، نظراً لتوسّع استخدام منصات التواصل الاجتماعي.

وقتها لم يكن تفشي وباء كورونا أو كوفيد-19 هو الفيروس الخطير الوحيد الذي انتشر حول العالم، فقد صحبه أيضًا انتشار مهول وسريع للشائعات والمعلومات الكاذبة والأخبار الزائفة عنه، وتُعدّ هذه الأخبار الزائفة جزءًا من وباء أكبر يسبب الارتباك والخوف.

وقال مراقبون إن وسائل التواصل الاجتماعي عجّت بشائعات خاطئة وأخبار زائفة عن أعراض كوفيد-19 وسبل الوقاية منه، واستغلّت خوف المواطنين من المرض، فقدّمت طرق وقاية وعلاج غير معتمدة على المصادر العلمية والطبية، وذلك من أجل جني الأرباح الاقتصادية، أو لزيادة متابعة وشهرة صفحة ما على وسائل التواصل الاجتماعي، أو إعلانات على إحدى الصحف الورقية.

منظّمات المجتمع المدني في اليمن أيضا كان لها دور مهم في مكافحة الشائعات، ورفع مستوى الوعي لدى المجتمع، ويصف الأستاذ محمد قاسم نعمان، رئيس مركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان بعدن، الشائعات بأنها تبرز عند غياب المعلومات الصحيحة، لهذا ولمواجهة الشائعات، يجب إذاعة المعلومات الصحيحة للرأي العام، وتقديم الدلائل الموثقة التي تؤكّد صحة المعلومات التي تقدمها، والاستناد فيها إلى مرجعيات موثوقة، كما هو حال مواجهة الشائعات المتعلقة بجائحة كورونا؛ إذ يجب الاستناد إلى الخبراء المتخصّصين في مواجهة هذه الجائحة وأساليب المواجهة والحماية.

واستعرضَ “نعمان” تجربة المركز في مكافحة الشائعات ورفع مستوى الوعي لدى المجتمع، فقال: “أثناء جائحة كورونا نفّذنا حملة إعلامية توعوية لمواجهة الجائحة. فجمعنا كل المعلومات عن هذا المرض وأخطاره وخلفياته وسبل مواجهته من مصادر علمية موثوقة، وهي الصليب الأحمر الدولي الذي حدّد مواقع خاصة لهذه المعلومات، وأيضا استفدنا من البرنامج الوطني لمواجهة هذه الجائحة، وقدّمنا كُتيّبا يتضمن الإرشادات والتوجيهات بأسلوب مبسّط يمكن استيعابه من الجميع، ودعمّناه بالصور الإرشادية والرسوم التعبيرية الإرشادية، ونقلناه في مطويّات صغيرة وملصقات إرشادية بكلمات مبسطة ورسومات توضيحية سهلة.

وأضاف: “وزّعنا الكُتيبات على الأسر في المنازل، وعملنا على وضع الملصقات في الجدران الخارجية للمدارس والمستوصفات والمكاتب الحكومية وفي جدران الشوارع بالأسواق العامة ومواقع ازدحام الناس، كما رفعنا اللافتات القماشية في الطرقات العامة عند مداخل المديريات والواجهات العامة في الشوارع والطرقات”.

منظّمة الصحّة العالمية تطرّقت إلى هذه الظاهرة في تقريرٍ لها بتاريخ 2 فبراير/شباط من العام الجاري، وأشارت إلى أن تفشّي فيروس كورونا في نهاية عام 2019 صحب كمّا ضخما من المعلومات غير المسبوقة، بعضها دقيق وصحيح وبعضها زائف.

وبهذه المصادر الزائفة والمجهولة، شاعت عدة معلومات مغلوطة، ربما تكون على نفس القدر من خطورة الفيروس المتفشّي، ففي كل الأحوال يمكن علاج المصاب بالفيروس باتباع النمط العلاجي الموصى به، أما المعلومات المغلوطة المترسخة في وعي الجمهور، فقد تستغرق وقتًا وجهدًا كبيرين لتصحيحها؛ إذ تكون هذه المعلومات المغلوطة سهلة وغير مكلفة، ويميل العقل إلى تصديقها سعيًا لاطمئنان سريع بلا جهد، منها، على سبيل المثال، ما تداولته حسابات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، حديثًا، من تصريح منسوب إلى المدير العام الصحة العالمية، ادّعت أنّه قال فيه: “الأشخاص الذين تلقّوا الجرعة الثالثة من لقاح فايزر معرّضون للإصابة بالعجز والتحول الجنسي”.

منذ بداية الجائحة تعمل منظمة الصحة العالمية مع وزارات الصحة والهيئات الصحية الرسمية في بلدان العالم لنشر المعلومات الصحية والبيانات الموثوقة عن فيروس كوفيد-19، للحد من انتشاره وحصار المعلومات المغلوطة والشائعات التي بشكل فيروسي بلغات متعددة وفي مناطق مختلفة مثل الفيروس القاتل.

وتنصح اللجنة الدولية للصليب الأحمر بعدم الالتفات لأي معلومة غير موثقة وبالالتزام بمصادر المعلومات الموثوقة للحصول على أخبار فيروس كورونا، وهي موجودة في:

  • منظمة الصحة العالمية

  • وزارة الصحة في بلدك

  • جمعيات الهلال والصليب الأحمر في بلدك

  • واللجنة الدولية للصليب الأحمر

وعزت نتائجُ دراسة أجراها مجموعة من الباحثين في الأردن أبرزَ أسباب عزوف كثير من المواطنين عن تلقي لقاحات كورونا، إلى الخشية من الآثار الجانبية المستقبلية للقاحات، وانتشار الأخبار السلبية حول فعالية اللقاحات، وعدم الثقة بمصنّعي اللقاحات، بالإضافة إلى ضعف الثقة في المصادر الإعلامية واضطراب المعلومات حول اللقاحات.

وقال الباحثون إن الدراسة أشارت إلى أنه نتج عن تضارب المعلومات حول كورونا تشويشٌ في تفكير الناس، واضطرابٌ في استجابتهم للتوجيهات الصحية لمواجهة خطر الإصابة بالمرض، وهو ما أدّى إلى رفض وعزوف كبير عن تلقي اللقاحات في معظم دول العالم ومن مختلف المستويات الاجتماعية والتعليمية.

 

المصادر والمراجع:

  • الصليب الأحمر الدولي

  • منظمة الصحة العالمية

  • Human Rights Watch

  • موسوعة ويكيبيديا

     

    ( أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة “lnternews” ضمن مشروع “Rooted in trust” في اليمن)

المقالة التالية
اللقاحات وأهميتها في صحة الإنسان
المقالة السابقة
خرافات التداوي من مرض البلهارسيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed

مقالات مشابهة :

الأكثر قراءه

━━━━━━━━━

كتابات

━━━━━━━━━