الشائعات تطال وفيات كورونا في اليمن

شكّلت فترة انتشار جائحة كورونا في اليمن قبل ثلاثة أعوام ظروفًا مناسبة لتفشي الشائعات بقدر تفشي الفيروس نفسه في موجتيه الأولى والثانية، وطالت هذه المرة وفيات الفيروس التي بلغت أربعة آلاف و227 حالة، بحسب وزارة الصحة العامة والسكان التابعة للحكومة المعترف بها دوليًا.

كثير من شائعات كورونا أعاقت جهود مكافحة الوباء والتصدي له ومحاولة خفض عدد حالات الإصابة، سواءً تلك التي اتخذتها السلطات الصحية في البلاد أم الإرشادات والتوصيات الصحية لمنظمة الصحة العالميةWHO  والمنظمات الدولية الإنسانية الأخرى.

شائعة البرتوكول القاتل

تذكر إحدى الشائعات حول فيروس كورونا أو كوفيد_19، انتشرت في منصات التواصل الاجتماعي وبين الناس أنه لم يمت أحد بكورونا، بل كانوا أسرى في المستشفيات وطُبّق عليهم برتوكول قاتل لمنظمة الصحة العالمية، هكذا علّلت الشائعة سبب وفاة المصابين بكورونا في اليمن.

وعند الاطلاع على برتوكولات وسياسات منظمة الصحة العالمية المتعلقة بمواجهة جائحة كورونا في موقعها الإلكتروني، تبين أن تلك الشائعة غير صحيحة؛ إذ لا يوجد أي برتوكول للمنظمة يُلزم السلطات الصحية في جميع الدول ومنها اليمن على إبقاء مرضى الفيروس في المستشفيات ومراكز العزل بشكل “إجباري”.

ومن المعروف أن عمل المنظمة بشكل عام يتمحور، في حالات الطوارئ الوبائية العالمية، على تقديم التوصيات والإرشادات التي يجب على السلطات الصحية في بلدان العالم أن تتخذها ضمن إجراءاتها لمواجهة الوباء ودعم الأنظمة الصحية فيها، ولا تسعى بشكل مباشر إلى فرض أو إجبار حكومات تلك البلدان على برتوكولات معينة.

ووفق النشرات والبيانات الصحية الحديثة للمنظمة المنشورة في موقعها الإلكتروني، توصي بإبقاء مرضى ومصابي كورونا في المنازل، سواءً لتلقي الرعاية الصحية العلاجية أم لتطبيق العزل الصحي. وتشير الصحة العالمية إلى أن بقاء المصابين في المستشفيات ومراكز العزل يكون للحالات الحرجة فقط، أي عند تعرضها لمضاعفات صحية خطيرة وبحسب ما تقتضيه حالته الصحية أو كما يراه الأطباء والإجراءات الطبية المتبعة في البلاد.

هذا الأمر يتعارض مع دعوى تلك الشائعة بأن المنظمة ألزمت السلطات الصحية في اليمن على بقاء مرضى كوفيد_19 في المستشفيات عنوة وإكراهًا، والتشكيك في أسباب وفاتهم بالحديث عن برتوكول لمنظمة الصحة العالمية.

العزل المنزلي

يؤكّد المتحدث الرسمي للجنة العليا لمواجهة كورونا في محافظة تعز ومدير المختبر المركزي فيها، الدكتور أحمد منصور، أن الشائعة تلك غير صحيحة وأنه لم يكن هناك أي إجبار لأي شخص حامل للفيروس أو مريض على البقاء في المستشفيات. ويقول في حديثه لصوت المهمشين: “المرضى الذين كانوا في مراكز العزل بالمستشفيات كانت حالتهم الصحية حرجة، وكان هناك حاجة لبقائهم في غرف العزل لمراقبة حالتهم الصحية وفق توجيهات الأطباء، وبرغبة من المرضى أنفسهم”.

ويضيف منصور أن هناك من المصابين بالفيروس مَن خضعوا للعلاج لأيام في مراكز العزل تحت المراقبة وفي غُرف العناية، وتعافوا من المضاعفات الصحية لكورونا، وخرجوا بشكل طبيعي، فيما هناك من توفي أيضًا ممن لم يستطع مقاومة الوباء.

ويوضح المتحدث الرسمي أن اللجنة العليا لمواجهة كورونا اتبعت توصيات منظمة الصحة العالمية مثل باقي دولة العالم، وهي خطوات سليمة ساعدت في مواجهة الجائحة، مثل الإجراءات الاحترازية وكذلك عزل المصابين، سواء في المستشفيات للحالات الحرجة أم في المنازل للحالات الخفيفة والمتوسطة.

ويشير إلى أن معظم حالات الإصابة كانت تُعزل في المنازل بسبب عدم قدرة مراكز العزل على استيعابهم، وكان لهم حصة من أسطوانات الأكسجين تُوفّر إلى منازلهم، وهذا دليل على أنه لم يُطبّق أيّ من الأشياء التي ذكرتها الشائعة.

مضاعفات صحية

يتعرّض كثير من المصابين بفيروس كورونا لمضاعفات صحية تختلف درجة خطورتها من شخص لآخر بحسب وضعه الصحي العام، وقدرة جهازه المناعي على مواجهة الوباء، وكذلك إصابته بأمراض أخرى، الأمر الذي قد يتسبب في وفاته. وفي هذا الصعيد، يقول الدكتور منصور إن المضاعفات الصحية لمصابي كورونا تسببت في وفاتهم، وهذا أمر وارد ومحتمل حدوثه في أي بلد بالعالم، لكن لم تكن هناك أسباب أخرى تتعلق بالإجراءات الاحترازية أو القرارات التي اتُّخذت.

وبحسب مدير المختبر المركزي، أجرى المختبر الآلاف من فحوصات “PCR” الخاص بالكشف عن مصابي فيروس كورونا، وكانت بعض الحالات تخضع لفحوصات بكتيريا الدم وبعض الفحوصات الكيميائية الأخرى، وكان هناك مرضى يعانون من أمراض مزمنة تسببت في وفاتهم عند إصابتهم في الفيروس.

وسجّلت اليمن أول حالة إصابة بفيروس كورونا بمحافظة حضرموت في 10 إبريل من عام 2020، وشهدت البلاد موجة أولى حينها في تفشي الفيروس وموجة أخرى نهاية فبراير من العام اللاحق 2021، تسببت في إصابة ووفاة الآلاف في ظل عجز النظام الصحي عن مواجهة الوباء.

ووفق آخر إحصائية منشورة في موقع وزارة الصحة العامة والسكان، بلغ إجمالي عدد حالات الإصابة المؤكدة التي سجلت ما بين عامي 2020 و2023 في مناطق الحكومة المعترف بها دوليًا نحو 36 ألفا و178 حالة إصابة، منها 4 آلاف و227 حالة وفاة.

صعوبة السيطرة

عجزت السلطات الصحية عن السيطرة على الجائحة بعموم البلاد، فقد سارعت في ذروة انتشاره إلى إعلان حالة طوارئ في بعض المحافظات مثل عدن وتعز وحضرموت، وعملت على تطبيق الإجراءات الاحترازية العامة وحضر التجوال، لكنها واجهت صعوبات في التنفيذ في ظل استهتار المجتمع وتساهله حينها.

وفي إبريل من عام 2020 وقت تفشّي الفيروس، أعلن وكيل وزارة الصحة في حكومة عدن الدكتور علي الوليدي، عن افتتاح 27 مركزًا للعزل في 9 محافظات يمنية خاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا، وتلك المراكز عملت بإمكانيات شبه منعدمة غير أنها لم تستوعب حالات الإصابة الحرجة.

وفي محافظة تعز مثلاً، كان هناك ثلاثة مراكز عزل كورونا، الأول في المستشفى الجمهوري، والثاني في مستشفى المخا، والثالث في مستشفى خليفة، وتوفرت في تلك المراكز 37 سريرًا للعناية المركزة فقط، لم تكن كافية بالنسبة لمحافظة تعد الأعلى كثافة سكانية في البلاد.

هذا بالنسبة لمناطق سيطرة الحكومة المعترف بها، أما في مناطق سيطرة جماعة الحوثيين، فلم تفصح السلطات الصحية في حكومة صنعاء عن الحالة الوبائية وعدد حالات الإصابة والوفاة بالفيروس، بعكس حكومة عدن التي شكلت لجنة عُليا لمواجهة كورونا، وكانت تعلن عبرها عن الحالة الوبائية بشكل يومي في موجتيه الأولى والثانية.

وفي نهاية نوفمبر من عام 2021، حذرت منظمة الصحة العالمية من احتمالية خروج وباء كورونا عن السيطرة في اليمن ما لم تتوافر الإمكانات اللازمة للسلطات الصحية، خصوصًا أن البلاد تعيش صراعًا مسلحًا ويتقاسم أراضيها أطراف الصراع.

ووصف رئيس برنامج الطوارئ في منظمة “مايكل راين” الوضع في اليمن بـ”المقلق جدًا”، مشيرًا إلى أن نقل المستلزمات لمواجهة كورونا وتدريب العاملين والقيام بعمليات الرصد وتتبع الحالات في ظل هذه الظروف يبدو صعبًا وخطيرًا للغاية.

وباء المعلومات

رافق تفشي وباء كورونا “وباء المعلومات”؛ إذ اجتاحت الشائعات والمعلومات الخاطئة الوسائل والمنصات الرقمية، وشتّتت الناسَ حول اتباع الإجراءات الاحترازية والوقائية السليمة لتجنّب الإصابة بعدوى الفيروس، وضلّلت كثيرا من المعلومات الصحية بخصوص كورونا.

تقول مقالة للجنة الدولية للصليب الأحمر، نُشرت في مايو 2021، إن المعلومات الخاطئة عن كورونا لا تقتل بل تساعد على القتل، وإن كثيرا من الشائعات التي انتشرت تسبّبت في إصابة الناس بالقلق والخوف والذعر وعرضت حياتهم للخطر، خصوصًا أولئك الذي أصيبوا بالفيروس.

وذكرت اللجنة أنه في ظل انتشار المعلومات المغلوطة، غابت الحقائق الموثوقة عن الفيروس وأساليب انتشاره وطرق الوقاية منه، وأن الشائعات وجدت بيئة خصبة لنموها وانتشارها في أجواء القلق الذي يدفع الجميع لتصديق أي ادعاء من دون مراجعة، طالما وضعت في صيغة الشائعة معلومة قابلة للتصديق.

وبحسب مقالة الصليب الأحمر، شاعت عدة معلومات مغلوطة عبر المصادر المجهولة والمزيفة، ربما تكون على القدر نفسه من خطورة الفيروس المتفشي، لافتةً إلى أن علاج المصاب بالفيروس يكون باتباع النمط العلاجي الذي أوصت منظمة الصحة العالمية أو السلطات الصحية في البلاد.

وتشدد اللجنة على ضرورة اعتماد الأفراد على موقع منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة في البلاد، للحصول على المعلومات الصحية سواءً حول الوباء أم أي أوبئة وأمراض أخرى، والبقاء على إطلاع بكل ما ينشر فيها، خصوصًا فيما يتعلق بكوفيد_19.

 

( أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة “lnternews” ضمن مشروع “Rooted in trust” في اليمن)

المقالة التالية
دواء مفقود ومعاناة مستمرة.. حكايات يرويها مرضى الفشل الكلوي
المقالة السابقة
صحة اليمنيين رهن للأدوية المهرّبة والمزورة وجشع التجار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed

مقالات مشابهة :

الأكثر قراءه

━━━━━━━━━

كتابات

━━━━━━━━━